الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا} (16)

قوله : { أَلْفَافاً } : فيه أوجهٌ : أحدُها : أنَّه لا واحدَ له . قال الزمخشري : " ألفافاً " : ملتفَّةٌ لا واحدَ له كالأوْزَاعِ والأَخْيافِ " . والثاني :أنه جمعُ " لِفّ " بكسرِ اللام ، فيكونُ نحو : سِرّ وأَسْرار . وأنشد أبو علي الطوسي :

جَنَّةٌ لِفٌّ وعَيْشٌ مُغْدِقُ *** ونَدامى كلُّهم بِيْضٌ زُهُرْ

وهذا قولُ أكثرِ أهلِ اللغة . الثالث : أنه جمعُ لفيف ، قاله الكسائي .

ومثلُه : شريف وأَشْراف ، وشهيد وأشهاد . وقال الشاعر :

أحابِيْشُ أَلفْافٌ تبايَنَ فَرْعُهُمْ *** وجِذْمُهُمُ عن نسبةِ المتعرّفِ

الرابع : أنه جمعُ الجمعِ ؛ وذلك أنَّ الأصلَ " ألَفُّ " في المذكر ، و " لَفَّاءُ " في المؤنث كَأْحمر وحمراء ، ثم جُمِعا على لُفّ كحُمْر ، ثم جُمع لُفّ على أَلْفاف ، إذا صار لُفٌّ بزنة قُفْلٍ فجُمع جَمْعَه ، قاله ابن قتيبة . إلا أن الزمخشري ، قال : " وما أظنُّه واجداً له نظيراً مِن نحو : خُضْر وأَخْضار ، وحُمْر وأَحْمار " . قلت كأنّه يَسْتَبْعِدُ هذا القولَ من حيث إن نَظَائِرَه لا تُجْمَعُ على أَفْعال ؛ إذ لا يُقال : خُضْر وأخْضار ، ولا حُمْر وأَحْمار ، وإن كانا جمعَيْنِ لأَخْضَر وخَضْراء ، وأَحْمر وحَمْراء ، وهذا غيرُ لازمٍ ؛ لأنَّ جمعَ الجمعِ لا يَنْقاسُ ، ويكفي أَنْ يكونَ له نظيرٌ في المفردات كما رأيتَ مِنْ أنَّ لُفّاً صارَ يضارِعُ قُفْلاً ؛ ولهذا امتنعوا مِنْ تكسيرِ مَفاعل ومَفاعيل لعدمِ نظيرٍ في المفرداتِ يُحْمَلان عليه . الخامس : قال الزمخشري : " ولو قيل : هو جمعُ مُلْتَفَّة بتقدير حَذْفِ الزوائد لكان قولاً وجيهاً " . قلت : وفيه تكلُّفُ لا حاجةَ إليه ، وأيضاً فغالبُ عباراتِ النحاة في حَذْف الزوائِد إنما هو في التصغير . تقول : تصغيرُ الترخيم بحذفِ الزوائد ، وفي المصادر يقولون : هذا المصدرُ على حَذْفِ الزوائِد .