معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

قوله تعالى : { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله } ، قيل : موضع من نصب بنزع حرف الصفة ، أي : بمن يضل ، وقال الزجاج : موضعه رفع بالابتداء ، ولفظها لفظ الاستفهام ، والمعنى : إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله .

قوله تعالى : { وهو أعلم بالمهتدين } ، أخبر أنه أعلم بالفريقين الضالين والمعتدين فيجازي كلاً بما يستحقه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

والله تعالى أصدق قيلا ، وأصدق حديثا ، و { هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ } وأعلم بمن يهتدي . ويهدي . فيجب عليكم -أيها المؤمنون- أن تتبعوا نصائحه وأوامره ونواهيه لأنه أعلم بمصالحكم ، وأرحم بكم من أنفسكم .

ودلت هذه الآية ، على أنه لا يستدل على الحق ، بكثرة أهله ، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق ، بل الواقع بخلاف ذلك ، فإن أهل الحق هم الأقلون عددا ، الأعظمون -عند الله- قدرا وأجرا ، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل ، بالطرق الموصلة إليه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثان ، لئلا يضلوك عن سبيله ، هو أعلم منك ومن جميع خلقه ، أيّ خلقه يضلّ عن سبيله بزخرف القول الذي يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض ، فيصدّوا عن طاعته واتباع ما أمر به .

{ وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ }يقول : وهو أعلم أيضا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسداد ، لا يخفى عليه منهم أحد . يقول : واتبع يا محمد ما أمرتك به ، وانته عما نهيتك عنه من طاعة من نهيتك عن طاعته ، فإني أعلم بالهادي والمضلّ من خلقي منك .

واختلف أهل العربية في موضع «مَنْ » في قوله : إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ مَنْ يَضلّ . فقال بعض نحويي البصرة : موضعه خفض بنية الباء ، قال : ومعنى الكلام : إن ربك هو أعلم بمن يضلّ . وقال بعض نحويي الكوفة : موضعه رفع ، لأنه بمعنى أيّ ، والرافع له «يضلّ » .

والصواب من القول في ذلك : أنه رفع ب «يضلّ » وهو في معنى أيّ . وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض فيكون هذا له نظيرا . وقد زعم بعضهم أن قوله : أعْلَمُ في هذا الموضع بمعنى «يعلم » ، واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي :

فحالَفَتْ طَيّىءٌ مِنْ دونِنا حِلِفا ***واللّهُ أعلمُ ما كُنا لَهُمْ خُذُلا

وبقول الخنساء :

القَوْمُ أعْلَمُ أنّ جَفْنَتَهُ ***تَغْدُو غَداةَ الرّيحِ أوْ تَسْرِي

وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل وإن كان جائزا في كلام العرب ، فليس قول الله تعالى : { إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ مَنْ يَضِلّ عَنْ سَبِيلِهِ } منه وذلك أنه عطف عليه بقوله : { وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ }فأبان بدخول الباء في «المهتدين » أن أعلم ليس بمعنى يعلم ، لأن ذلك إذ كان بمعنى يفعل لم يوصل بالباء ، كما لا يقال هو يعلم بزيد ، بمعنى يعلم زيدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

{ إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } أي أعلم بالفريقين ، و{ من } موصولة أو موصوفة في محل النصب يفعل دل عليه أعلم لا به فإن أفعل لا ينصب الظاهر في مثل ذلك ، أو استفهامية مرفوعة بالابتداء والخبر { يضل } والجملة معلق عنها الفعل المقدر . وقرئ { من يضل } أي يضله الله ، فتكون من منصوبة بالفعل المقدر أو مجرورة بإضافة أعلم إليه أي : أعلم المضلين من قوله تعالى : { من يضلل الله } أو من أضللته إذا وجدته ضالا ، والتفضيل في العلم بكثرته وإحاطته بالوجوه التي يمكن تعلق العلم بها ولزومه وكونه بالذات لا بالغير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

وقرأ جمهور الناس «يضل » بفتح الياء .

وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يُضل » بضم الياء ، ورواه أحمد بن أبي شريح عن الكسائي ، و { من } في قوله { من يضل } في موضع نصب بفعل مضمر تقديره يعلم من ، وقيل في موضع رفع كأنه قال أي يضل عن سبيله ؛ ذكره أبو الفتح وضعفه أبوعلي وقيل في موضع خفض بإضمار باء الجر كأنه قال : بمن يضل عن سبيله ، وهذا ضعيف ، قال أبو الفتح هذا هو المراد فحذفت باء الجر ووصل { أعلم } بنفسه ، قال ولا يجوز أن يكون { أعلم } مضافاً إلى { من } لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ، وهذه الآية خبر في ضمنه وعيد للضالين ووعد للمهتدين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

تعليل لقوله : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك } [ الأنعام : 116 ] لأنّ مضمونه التّحذير من نزغاتهم وتوقّع التّضليل منهم وهو يقتضي أنّ المسلمين يريدون الاهتداء ، فليجتنبوا الضالّين ، وليهتدوا بالله الّذي يهديهم . وكذلك شأن ( إنّ ) إذا جاءت في خبر لا يحتاج لردّ الشكّ أو الإنكار : أن تفيد تأكيد الخبر ووصله بالّذي قبله ، بحيث تغني غَناء فاء التّفريع ، وتفيد التّعليل ، ولمّا اشتملت الآيات المتقدّمة على بيان ضلال الضالّين ، وهدى المهتدين ، كان قوله : { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } تذييلاً لجميع تلك الأغراض .

وتعريف المسند إليه بالإضافة في قوله : { إن ربك } لتشريف المضاف إليه ، وإظهار أن هدي الرّسول عليه الصلاة والسلام هو الهُدى ، وأنّ الّذين أخبر عنهم بأنّهم مُضلّون لا حظّ لهم في الهدى لأنّهم لم يتّخذوا الله ربّاً لهم . وقد قال أبو سفيان يوم أحُد : « لَنَا العُزّى ولا عُزّى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه قولوا : " اللَّهُ مولانا ولا مولى لكم " .

و { أعلمُ } اسم تفضيل للدّلالة على أنّ الله لا يعزب عن علمه أحد من الضالّين ، ولا أحد من المهتدين ، وأنّ غير الله قد يعلم بعض المهتدين وبعض المضلّين ، ويفوته علم كثير من الفريقين ، وتخفَى عليه دخيلة بعض الفريقين .

والضّمير في قوله : { هو أعلم } ضمير الفصل ، لإفادة قصر المسند على المسند إليه ، فالأعلمية بالضالّين والمهتدين مقصورة على الله تعالى ، لا يشاركه فيها غيره ، ووجه هذا القصر أنّ النّاس لا يشكّون في أنّ علمهم بالضالّين والمهتدين علم قاصر ، لأنّ كلّ أحد إذا علم بعض أحوال الناس تخفى عليهم أحوال كثير من النّاس ، وكلّهم يعلم قصور علمه ، ويتحقّق أن ثمّة من هو أعلم من العالِم منهم ، لكنّ المشركين يحسبون أنّ الأعلمية وصف لله تعالى ولآلهتهم ، فنفي بالقصر أن يكون أحد يشارك الله في وصف الأعلميّة المطلقة .

و { مَنْ } موصولة ، وإعرابها نصب بنزع الخافض وهو الباء ، كما دلّ عليه وجود الباء في قوله : { وهو أعلم بالمهتدين } لأنّ أفعل التّفضيل لا ينصب بنفسه مفعولاً به لضعف شبهه بالفعل ، بل إنّما يتعدّى إلى المفعول بالباء أو باللاّم أو بإلى ، ونصبه المفعول نادر ، وحقّه هنا أن يعدّى بالباء ، فحذفت الباء ايجازَ حذف ، تعويلا على القرينة . وإنَّما حذف الحرف من الجملة الأولى ، وأظهر في الثّانية ، دون العكس ، مع أنّ شأن القرينة أن تتقدّم ، لأنّ أفعل التّفضيل يضاف إلى جمعٍ يكون المفضّل واحداً منهم ، نحو : هو أعلم العلماء وأكرم الأسخياء ، فلمّا كان المنصُوباننِ فيهما غير ظاهر عليهما الإعراب ، يلتبس المفعول بالمضاف إليه ، وذلك غير ملتبس في الجملة الأولى ، لأنّ الصّلة فيها دالّة على أنّ المراد أنّ الله أعلم بهم ، فلا يتوهّم أن يكون المعنى : الله أعلم الضّالّين عن سبيله ، أي أعلم عالممٍ منهم ، إذ لا يخطر ببال سامع أن يقال : فلان أعلم الجاهلين ، لأنّه كلام مُتناقض ، فإنّ الضّلال جهالة ، ففساد المعنى يكون قرينة على إرادة المعنى المستقيم ، وذلك من أنواع القرينة الحاليَّة ، بخلاف ما لو قال : وهو أعلم المهتدين ، فقد يتوهّم السّامع أنّ المراد أنّ الله أعلم المهتدين ، أي أقوى المهتدين علماً ، لأنّ الاهتداء من العلم . هذا ما لاح لي في نكتة تجريد قوله : { هو أعلم من يضل عن سبيله } من حرف الجرّ الّذي يتعدّى به { أعلم } .