البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (117)

{ إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } لما ذكر تعالى يضلوك عن سبيل الله أخبر أنه أعلم العالمين بالضال والمهتدي ، والمعنى أنه أعلم بهم وبك فإنهم الضالون وأنت المهتدي و { من } قيل في موضع جر على إسقاط حرف الجر وإبقاء عمله ، وهذا ليس بجيد لأن مثل هذا لا يجوز إلا في الشعر نحو زيد أضرب السيف أي بالسيف .

وقال أبو الفتح : في موضع نصب بأعلم بعد حذف حر الجر وهذا ليس بجيد ، لأن أفعل التفضيل لا يعمل النصب في المفعول به ، وقال أبو علي : في موضع نصب بفعل محذوف أي يعلم من يضل ودل على حذفه أعلم ومثله ما أنشده أبو زيد

وأضرب منا بالسيوف القوانسا *** أي تضرب القوانس وهي إذ ذاك موصولة وصلتها { يضل } وجوز أبو البقاء أن تكون موصوفة بالفعل .

وقال الكسائي والمبرد والزجاج ومكي في موضع رفع وهي استفهامية مبتدأ والخبر { يضل } والجملة في موضع نصب بأعلم أي أعلم أي الناس يضل كقوله { لنعلم أي الحزبين } وهذا ضعيف لأن التعليق فرع عن جواز العمل وأفعل التفضيل لا يعمل في المفعول به فلا يعلق عنه ، والكوفيون يجيزون إعمال أفعل التفضيل في المفعول به والرد عليهم في كتب النحو .

وقرأ الحسن وأحمد أبي شريح { يضل } بضم الياء وفاعل { يضل } ضمير من ومفعوله محذوف أي من يضل الناس أو ضمير الله على معنى يجده ضالاً أو يخلق فيه الضلال ، وهذه الجملة خبرية تتضمن الوعيد والوعد لأن كونه تعالى عالماً بالضال والمهتدي كناية عن مجازاتهما .