قوله تعالى : { فليضحكوا قليلاً } ، في الدنيا ، { وليبكوا كثيراً } ، في الآخرة . تقديره : فليضحكوا قليلا فسيبكون كثيرا ، { جزاءً بما كانوا يكسبون } . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي قال : أنا عبد الله بن محمد الحسين الشرقي ، ثنا عبد الله بن هاشم ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا شعبة عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " . أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي توبة ، ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد الحارث ، ثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك عن عمران بن زيد الثعلبي ، ثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس ابكو ، فإن لم تستطيعوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، ثم تنقطع الدموع ، فتسيل الدماء فتقرح العيون ، فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت " .
وقوله : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً . . . } وعيد لهم بسوء مصيرهم ، وإخبار عن عاجل أمرهم وآجله ، من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الآخرة .
والمعنى : إنهم وإن فروا وضحكوا طوال أعمارهم في الدنيا ، فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة ، لأن الدنيا فانية والآخرة باقية ، والمنقطع الفانى قليل بالنسبة إلى الدائم الباقى .
قال صاحب المنار : وفى معنى الآية قوله - صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " متفق عليه ، بل رواه الجماعة إلا أبا داود من حديث أنس ، ورواه الحاكم من حديث أبى هريرة بلفظ " لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلا " .
ثم قال : وإنما كان الأمر في الآية بمعنى الخبر ، لأنه إنذار بالجزاء لا تكليف وقد قيل في فائدة هذا التعبير عن الخبر بالإِنشاء ، إنه يدل على أنه حتم لا يحتمل الصدق والكذب كما هو شأن الخبر لذاته في احتمالها ، لأن الأصل في الأمر أن يكون للإِيجاب وهو حتم . .
وقوله : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } تذييل قصد به بيان عدالته ، سبحانه ، في معاملة عباده .
أى : أننا ما ظلمناهم بتوعدنا لهم بالضحك القليل وبالبكاء الكثير ، وإنما هذا الوعيد جزاء لهم على ما اكتسبوه من فنون المعاصى ، وما اجترحوه من محاربة دائمة لدعوة الحق .
وقوله : { جَزَآءً } مفعول للفعل الثانى .
أى : ليبكوا جزاء ، ويجوز أن يكون مصدرا حذف ناصبه . أى : يجزون بما ذكر من البكاء الكثير جزاء .
وجمع - سبحانه - في قوله { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بين صيغتى الماضى والمستقبل ، للدلالة على الاستمرار التجددى ما داموا في الدنيا .
وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خيثم وقتادة وابن زيد قوله { فليضحكوا قليلاً } إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، وقوله { وليبكوا كثيراً } إِشارة إلى تأبيد الخلود في النار ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم ، ويحتمل أن يكون صفة حالهم أي هم لما هم عليه من الخطر مع الله ، وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلاً وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم ، لأمته
«لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً »{[5815]} .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما قال هذا الكلام أوحى الله إليه يا محمد لا تقنط عبادي ، و { جزاء } متعلق بالمعنى الذي تقديره { وليبكوا كثيراً } إذ هم معذبون { جزاء } ، وقوله : { يكسبون } نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.