معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا} (16)

{ وجنات ألفافاً } ملتفة بالشجر ، واحدها لف ولفيف ، وقيل : هو جمع الجمع ، يقال : جنة لفا ، وجمعها لف ، بضم اللام ، وجمع الجمع ألفاف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا} (16)

{ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } أي : بساتين ملتفة ، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة .

فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة{[1336]} ، التي لا يقدر قدرها ، ولا يحصى عددها ، كيف [ تكفرون به و ] تكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور ؟ ! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها ؟ "


[1336]:- في ب: الجليلة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا} (16)

أما الدليل التاسع على قدرته - تعالى - على البعث ، فنراه فى قوله - تعالى - :

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً . لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } .

والمعصرات - بضم الميم وكسر الصاد - السحب التى تحمل المطر ، جمع معصرة - بكسر الصاد - اسم فاعل ، من أعصرت السحابة إذا أوشكت على إنزال الماء لامتلائها به . .

قال ابن كثير : عن ابن عباس : " المعصرات " الرياح . لأنها تستدر المطر من السحاب . . وفى رواية عنه أن المراد بها : السحاب ، وكذا قال عكرمة . . واختاره ابن جرير . .

وقال الفراء : هى السحاب التى تتحلب بالماء ولم تمطر بعد ، كما يقال : امرأة معصر ، إذا حان حيضها ولم تحض بعد .

وعن الحسن وقتادة : المعصرات : يعنى السموات . وهذا قول غريب ، والأظهر أن المراد بها السحاب ، كما قال - تعالى - : { الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ . . . } والثجاج : المندفع بقوة وكثرة ، يقال : ثج الماء - كرد - إذا انصب بقوة وكثرة .

ومطر ثجاج ، أى : شديد الانصباب جدا .

وقوله : { أَلْفَافاً } اسم جمع لا واحد له من لفظه ، كالأوزاع للجماعات المتفرقة . وقيل : جمع لفيف ، كأشراف وشريف . أى : وأنزلنا لكم - يا بنى آدم - بقدرتنا ورحمتنا - من السحائب التى أوشكت على الإِمطار ، ماء كثيرا متدفقا بقوة ، لنخرج بهذا الماء حبا تقتاتون به - كالقمح والشعير .

. ونباتا تستعملونه لدوابكم كالتبن والكلأ ، ولنخرج بهذا الماء - أيضا - بساتين قد التفت أغصانها لتقاربها وشدة نمائها .

فهذه تسعة أدلة أقامها - سبحانه - على أن البعث حق ، وهى أدلة مشاهدة محسوسة ، لا يستطيع عاقل إنكار واحد منها . . وما دام الأمر كذلك فكيف ينكرون قدرته على البعث ، مع أنه - تعالى - قد أوجد لهم كل هذه النعم التى منها ما يتعلق بخلقهم ، ومنها ما يتعلق بالأرض والسموات ، ومنها ما يتعلق بنومهم ، وبالليل والنهار ، ومنها ما يتعلق بالشمس ، وبالسحب التى تحمل لهم الماء الذى لا يحاة لهم بدونه .

وبعد إيراد هذه الأدلة المقنعة لكل عاقل ، أكد - سبحانه - ما اختلفوا فيه ، وما تساءلوا عنه ، وبين جانبا من أماراته وعلاماته فقال : { إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً . يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً . وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً . وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا} (16)

وقوله : { لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } أي : لنخرجَ بهذا الماء الكثير الطيب النافع المُبَارَك { حَبًّا } يدخر للأناسي والأنعام ، { وَنَبَاتًا } أي : خضرًا يؤكل رطبا ، { وَجَنَّاتٍ } أي : بساتين وحدائقَ من ثمرات متنوعة ، وألوان مختلفة ، وطعوم وروائح متفاوتة ، وإن كان ذهلك {[29650]} في بقعة واحدة من الأرض مجتمعًا ؛ ولهذا قال : { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } قال ابن عباس ، وغيره : { أَلْفَافًا } مجتمعة . وهذه كقوله تعالى : { وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ } الآية [ الرعد : 4 ] .


[29650]:- (4) في م، أ: "ذلك".

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا} (16)

ووجه إيثار لفظ { جنات } أن فيه إيماء إلى إتمام المنة لأنهم كانوا يحبون الجنات والحدائق لما فيها من التنعم بالظِّلال والثمار والمياه وجمال المنظر ، ولذلك أتبعت بوصف { ألفافاً } لأنه يزيدها حسناً ، وإن كان الفلاحون عندنا يفضلون التباعد بين الأشجار لأن ذلك أوفر لكمية الثمار لأن تباعدها أسعد لها بتخلل الهواء وشعاع الشمس ، لكن مساق الآية هنا الامتنان بما فيه نعيم الناس .

وألفاف : اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو مثل أوزاع وأخياف ، أي كل جنة ملتفة ، أي ملتفة الشجر بعضه ببعض .

فوصف الجنات بألفَاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يَلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف .

ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهداً عليه من كلام العرب قبل القرآن .

وقيل : ألفاف جمع لِفّ بكسر اللام بوزن جِذْع ، أي كل جنة منها لف بكسر اللام ولم يأتوا بشاهد عليه . وذكر في « الكشاف » أن صاحب « الإقليد »{[441]} ذكر بيتاً أنشده الحسن بن علي الطوسي{[442]} ولم يعزه إلى قائل . وفي « الكشاف » زعم ابن قتيبة{[443]} : أنه لَفَّاءُ ولُفُّ ثم ألفاف ( أي أن ألفافاً جمع الجمع ) قال : « وما أظنه واجداً له نظيراً » أي لا يجمع فُعْل جمعاً على أفعال ، أي لا نظير له إذ لا يقال خُضر وأخضار وحُمر وأحمار . يريد أنه لا يخرّج الكلام الفصيح على استعمال لم يثبت ورود نظيره في كلام العرب مع وجود تأويل له على وجه وارد .

فكان أظهر الوجوه أن { ألفافاً } اسم جمع لا واحد له من لفظه .

وبهذا الاستدلال والامتنان ختمت الأدلة التي أقيمت لهم على انفراد الله تعالى بالإلهية وتضمنت الإِيماء إلى إمكان البعث وما أدمج فيها من المنن عليهم عساهم أن يذكروا النعمة فيشعروا بواجب شكر المنعم ولا يستفظعوا إبطال الشركاء في الإلهية وينظروا فيما بلغهم عنه من الإِخبار بالبعث والجزاء فيصرفوا عقولهم للنظر في دلائل تصديق ذلك .

وقد ابتدئت هذه الدلائل بدلائل خلق الأرض وحالتها وجالت بهم الذكرى على أهم ما على الأرض من الجماد والحيوان ، ثم ما في الأفق من أعراض الليل والنهار . ثم تصاعد بهم التجوال بالنظر في خلق السماوات وبخاصة الشمس ثم نُزل بهم إلى دلائل السحاب والمطر فنزلوا معه إلى ما يخرج من الأرض من بدائع الصنائع ومنتهى المنافع فإذا هم ينظرون من حيث صَدروا وذلك من رد العجز على الصدر .


[441]:- الإقليد اسم تفسير كذا قال القزويني في الكشف على الكشاف ورأيت في طرة نسخة فيه أن الإقليد لأبي الفتح الهمذاني ولم أعثر على ترجمة مؤلفه.
[442]:- الحسن بن علي الطوسي لعله الوزير الملقب نظام الملك والبيت هو: جنة لف وعيش مغدق *** وندامى كلهم بيض زهر
[443]:- لعله ذكر ذلك في غير كتاب أدب الكاتب فإني لم أجده فيه.