{ قال أوسطهم } أعدلهم وأعقلهم وأفضلهم : { ألم أقل لكم لولا تسبحون } فلا تستثنون ، أنكر عليهم ترك الاستثناء في قولهم : { ليصرمنها مصبحين } وسمي الاستثناء تسبيحاً لأنه تعظيم لله ، وإقرار بأنه لا يقدر أحد على شيء إلا بمشيئته . وقال أبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله ، وقيل : هلا تسبحون الله وتقولون : سبحان الله ، وتشكرونه على ما أعطاكم . وقيل : هلا تستغفرونه من فعلكم .
{ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } والاستفهام للتقرير . و { لَوْلاَ } حرف تحضيض بمعنى هلا . والتسبيح هنا بمعنى : الاستغفار والتوبة ، وإعطاء كل ذى حق حقه .
أى : قال لهم - أعقلهم وأصلحهم - بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة . قال لهم : لقد قلت لكم عندما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها .
. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك ، وسيروا على الطريقة التى كان يسير عليها أبوكم ، وأعطوا المساكين حقوقهم منها ، ولكنكم خالفتمونى ولم تطيعوا أمرى ، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحى ، ما ترون من خراب الجنة التى أصابنى من خرابها ما أصابكم .
وكعادة كثير من الناس الذين : لا يقدرون النعمة إلا بعد فوات الأوان . . قالوا لأعقلهم وأصلحهم : { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } أى : تنزه ربنا ونستغفره عما حدث منا ، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله - تعالى - عن عباده .
{ قَالَ أَوْسَطُهُمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وقتادة : أي : أعدلهم وخيرهم : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ } ! قال مجاهد ، والسدي ، وابن جريج : { لَوْلا تُسَبِّحُونَ } أي : لولا تستثنون . قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحًا .
وقال ابن جريج : هو قول القائل : إن شاء الله . وقيل : معناه : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ } أي : هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم ،
وقوله : قالَ أوْسَطُهُمْ يعني : أعدلهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قَالَ أوْسَطُهُمْ قال : أعدلهم ، ويقال : قال خيرهم ، وقال في البقرة : وكَذَلكَ جَعلْناكُمُ أُمّةً وَسَطا قال : الوسط : العدل .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله قالَ أوْسَطُهُمْ يقول : أعدلهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الفرات بن خلاد ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد قالَ أوْسَطُهُمْ : أعدلهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله قالَ أوْسَطُهُمْ قال : أعدلهم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد قالَ أوْسَطُهُمْ قال : أعدلهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قالَ أوْسَطُهُمْ : أي أعدلهم قولاً ، وكان أسرع القوم فزعا ، وأحسنهم رَجْعة ألَمْ أقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبّحُونَ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قالَ أوْسَطُهُمْ قال : أعدلهم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : قالَ أوْسَطُهُمْ يقول : أعدلهم .
وقوله : ألمْ أقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبّحُوْنَ يقول : هلا تستثنون إذ قلتم لَنَصْرِمُنّها مُصْبِحِينَ ، فتقولوا إن شاء الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد لَوْلا تُسَبّحونَ قال : بلغني أنه الاستثناء .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد ألمْ أقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبّحُونَ قال : يقول : تستثنون ، فكان التسبيح فيهم الاستثناء .
فقال لهم أعدلهم قولاً وخلقاً وعقلاً وهو الأوسط ، ومنه قوله تعالى : { أمة وسطاً }{[11255]} [ البقرة : 143 ] أي عدولاً خياراً ، و { تسبحون } ، قيل هي عبارة عن طاعة الله وتعظيمه ، والعمل بطاعته . وقال مجاهد وأبو صالح : هي كانت لفظة ، الاستثناء عندهم . قال القاضي أبو محمد : وهذا يرد عليه قولهم : { سبحان ربنا }
و { أوسطهم } أفضلهم وأقربهم إلى الخير وهو أحد الإِخوة الثلاثة . والوسط : يطلق على الأخْيَر الأفضلِ ، قال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسَطاً } [ البقرة : 143 ] ، وقال : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى } [ البقرة : 238 ] ويقال هو من سِطَة قومه ، وأعطني من سِطَة مالِك .
وحكي هذا القول بدون عاطف لأنه قول في مَجرى المحاورة جواباً عن قولهم { بل نحن محرومون } قاله لهم على وجه توقيفهم على تصويب رأيه وخَطل رأيهم .
والاستفهام تقريري و { لولا } حرف تحضيض . والمراد ب { تسبحون } تنزيه الله عن أن يُعصى أمره في شأن إعطاء زكاة ثمارهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.