ولما ذكر كرم الأرض ، وحسن شكرها لما ينزله الله عليها من المطر ، وأنها بإذن ربها ، تخرج النبات المختلف الأنواع ، أخبر أنه خلقنا منها ، وفيها يعيدنا إذا متنا فدفنا فيها ، ومنها يخرجنا تارة أخرى ، فكما أوجدنا منها من العدم ، وقد علمنا ذلك وتحققناه ، فسيعيدنا بالبعث منها بعد موتنا ، ليجازينا بأعمالنا التي عملناها عليها .
وهذان دليلان على الإعادة عقليان واضحان : إخراج النبات من الأرض بعد موتها ، وإخراج المكلفين منها في إيجادهم .
ثم بين - سبحانه - أن هذه الأرض منها خلق الإنسان ، وإليها يعود ، ومنها يبعث للحساب يوم القيامة ، فقال - تعالى - : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى } .
والضمير فى " منها ، وفيها " يعود إلى الأرض المذكورة قبل ذلك فى قوله - تعالى - : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً . . . } والتارة : بمعنى المرة .
أى : من هذه الأرض خلقنا أباكم آدم ، وأنتم تبع له ، وفرع عنه ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } وقوله : { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } أى : وفى الأرض نعيدكم عند موتكم ، حيث تكون محل دفنكم واستقرار أجسادكم .
وقوله : { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى } أى : ومن الأرض نخرجكم مرة أخرى أحياء يوم القيامة ، للحساب والجزاء .
قال - تعالى - : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } وقال - سبحانه - : { وَنُفِخَ فِي الصور فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون } قال ابن كثير : وهذه الآية كقوله - تعالى - : { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } وفى الحديث الذى فى السنن " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضر جنازة فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها فى القبر ثم قال : " منها خلقناكم " ثم أخذ أخرى وقال : " وفيها نعيدكم " ثم أخرى وقال : " ومنها نخرجكم تارة أخرى " " .
{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } أي : من الأرض مبدؤكم ، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض ، { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } أي : وإليها تصيرون إذا متم وبليتم ، ومنها نخرجكم تارة أخرى . { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا } [ الإسراء : 52 ] .
وهذه الآية كقوله تعالى : { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } [ الأعراف : 25 ] .
وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة ، فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر ثم قال{[19404]} { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } ثم [ أخذ ]{[19405]} أخرى وقال : { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } . ثم أخذ أخرى وقال : { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } .
القول في تأويل قوله تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ } .
يقول تعالى ذكره : من الأرض خلقناكم أيها الناس ، فأنشأناكم أجساما ناطقة وَفِيها نُعِيدُكُمْ يقول : وفي الأرض نعيدكم بعد مماتكم ، فنصيركم ترابا ، كما كنتم قبل إنشائنا لكم بشرا سويا وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ يقول : ومن الأرض نخرجكم كما كنتم قبل مماتكم أحياء ، فننشئكم منها ، كما أنشأناكم أوّل مرّة . وقوله : " تارَةً أُخْرَى " يقول : مرّة أخرى ، كما :
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة " وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرَى " يقول : مرّة أخرى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " تارَةً أُخْرَى " قال : مرّة أخرى الخلق الاَخر .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذن : من الأرض أخرجناكم ولم تكونوا شيئا خلقا سويا ، وسنخرجكم منها بعد مماتكم مرّة أخرى ، كما أخرجناكم منها أوّل مرّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.