غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ} (55)

{ منها خلقناكم } لأن آدم مخلوق من الأرض . أو لأن بني آدم خلقوا من النطفة ودم الطمث المتولدين من الأغذية المنتهية إلى العناصر الغالبة عليها الأرضية ، أو لما ورد في الخبر أن الملك يأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه الآدمي فيذرّها على النطفة . { وفيها نعيدكم } لأن الجسد يصير تراباً فيختلط بالأرض إلا من رفعه الله إلى السماء ، وهو أيضاً يحتمل أن يعاد إليها بعد ذلك . { ومنها يخرجكم تارة أخرى } بالحشر والبعث ، أو بأن نخرجكم تراباً وطيناً ثم نحييكم بعد الإخراج ، أو المراد الإحياء في القبر . وههنا بحث وهو أن يكون قوله : { الذي جعل لكم الأرض } إلى ههنا من تتمة كلام موسى ، أو هو ابتداء كلام من الله تعالى . وعلى الأول يمكن أو يوجه قوله : { فأخرجنا } بأن المراد فأخرجنا نحن معاشر عباده بذلك الماء بالحراثة والزرع { أزواجاً من نبات شتى } إلا أن قوله : { كلوا وارعوا } إلى قوله : { ومنها نخرجكم } لا يطابقه . وإن قيل : إن كلام موسى يتم عند قوله : { وأنزلنا من السماء ماء } لم يصلح قوله : { فأخرجنا } ابتداء كلام من الله لمكان فاء التعقيب ، والصواب أن يتم كلام موسى عند قوله : { ولا ينسى } ثم إنه تعالى ابتداء فقال : { الذي } أي هو الذي جعل إلى آخره ، وعلى هذا يكون قوله : { فأخرجنا } من قبيل الالتفات علماً للكلام وإيذاناً بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره تخصيصاً بأن مثل هذا لا يدرك تحت قدرة أحد سواه . والحاصل أنه تعالى عدد عليهم ما علق بالأرض من المنافع حيث جعلها لهم فراشاً يتقلبون عليها عند الإقامة . وسوّى لهم فيها مسالك يتقلبون بها في أسفارهم ، وأنبت فيها أصناف النبات متاعاً لهم ولأنعامهم . ثم إن الأرض لهم كالأم التي منها انشئوا وهي التي تجمعهم وتضمهم إذا ماتوا . ثم يخرجون من الأجداث خروج الأجنة من الأرحام ، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تمسحوا بالأرض " أي ارقدوا واسجدوا عليها من غير حائل ، أو تيمموا بها فإنها بكم برة أي إنها لكم كالأم . ومنا خلقناكم وفيها معايشكم وهي بعد الموت كفاتكم .

/خ37