نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ} (55)

ولما أخبر سبحانه وتعالى عما خلق في الأرض من المنافع الدالة على تمام علمه وباهر قدرته ، على وجه دالّ على خصوص القدرة على البعث{[49345]} ، وكان من الفلاسفة تناسخيتهم وغيرهم من يقر لله بالوحدانية ولا يقر بقول أهل الإسلام : إن الروح جسم لطيف سار في الجسم سريان النار في الفحم ، بل يقول : إنها ليست بجسم ولا قوة في جسم ولا صورة لجسم وليست متصلة به اتصال انطباع ولا حلول فيه ، بل اتصال تدبير وتصرف ، وأنها إذا فارقت البدن اتصلت بالروحانيين من العالم العقلي الذي هو عالم المجردات وانخرطت في سلك الملائكة المقربين ، أو اتصلت ببعض الأجرام السماوية من كوكب أو غيره كاتصالها بالبدن الأول وانقطع تعلقها به فلم تعد إليه حتى ولا يوم البعث عند من يقول منهم بالحشر{[49346]} ، وصل بذلك قوله تعالى ، يرد عليهم ، معبراً بالضمير الذي يعبر به الهيكل المجتمع من البدن والنفس{[49347]} : { منها } أي الأرض لا من غيرها{[49348]} { خلقناكم } إذ أخرجناكم منها {[49349]}بالعظمة الباهرة{[49350]} في النشأة الأولى بخلق أبيكم آدم عليه السلام { وفيها } لا في غيرها كما أنتم كذلك تشاهدون{[49351]} { نعيدكم } بالموت كذلك أجساماً وأرواحاً{[49352]} ، فتصيرون تراباً كما كنتم ، وللروح مع ذلك وإن كانت في عليين تعلق ببدنها بوجه ما ، يدرك البدن به اللذة بالتذاذها والألم بتألهما ، وقد صح أن الميت يقعد في قبره ويجيب سؤال الملكين عليهما السلام{[49353]} ، لا{[49354]} يقدر أحد منكم أن يخلص من تلك العظمة المحيطة بجليل عظمته ولا بدقيق حكمته { ومنها } لا من غيرها{[49355]} { نخرجكم } يوم البعث{[49356]} بتلك العظمة بعينها{[49357]} { تارة أخرى* } كما بدأناكم أول مرة{[49358]} مثل ما فعلنا في النبات سواء ، فقد علم أن هذا فعل الواحد المختار ، لا فعل الطبائع ، فمرة جعلكم أحياء من شيء ليس له أصل في الحيوانية أصلاً ، وكرة{[49359]} ردكم إلى ما كنتم عليه قبل الحياة تراباً لا روح فيه ولا ما يشبهها ، فلا ريب أن فاعل ذلك قادر على أن يخرجكم منها أحياء كما ابتدأ ذلك ، بل الإعادة أهون في مجاري العادة .


[49345]:زيد من ظ ومد.
[49346]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[49347]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[49348]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[49349]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49350]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49351]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[49352]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[49353]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[49354]:من مد، وفي الأصل: لم والعبارة من هنا إلى "بدقيق حكمته" ساقطة من ظ.
[49355]:زيد من مد.
[49356]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49357]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49358]:زيد من مد.
[49359]:من ظ ومد في الأصل: مرة.