روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{۞مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ} (55)

{ مِنْهَا } أي من الأرض ، { خلقناكم } أي في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السلام منها فإن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه السلام إذا لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه عليه السلام بل كانت أنموذجاً منطوياً على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجمالياً مستتبعاً لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السلام منها خلقاً للكل منها ، وقيل : المعنى خلقنا أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض بوسائط .

وأخرج عبد بن حميد . وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال : إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه الشخص فيذره على النطفة فيخلق من التراب والنطفة { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بالإماتة وتفريق الأجزاء ، وهذا وكذا ما بعد مبني على الغالب بناء على أن من الناس من لا يبلي جسده كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار المديد فيها { وَمِنْهَا نخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى } بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الهيئة السابقة ورد الأرواح من مقرها إليها ، وكون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها وإن لم يكن على نهج التارة الثانية أو التارة في الأصل اسم للتور الواحد وهو الجريان ، ثم أطلق على كل فعلة واحد من الفعلات المتجددة كما مر في المرة ، وما ألطف ذكر قوله تعالى : { مِنْهَا خلقناكم } الخ بعد ذكر النبات وإخراجه من الأرض فقد تضمن كل إخراج أجسام لطيفة من الترباء الكثيفة وخروج الأموات أشبه شيء بخروج النبات هذا .

من باب الإشارة : { مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى } [ طه : 55 ] إشارة إلى الهياكل وأقفاص بلابل الأرواح وإلا فالأرواح أنفسها من عالم الملكوت ، وقد أشرقت على هذه الأشباح { وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا } [ الزمر : 96 ] والله تعالى أعلم .

وقد تأول بعض أهل التأويل هذه القصة والآيات على ما في الأنفس وهو مشرب قد تركناه إلا قليلاً . والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل .