قوله عز وجل :{ كذب أصحاب الأيكة المرسلين } وهم قوم شعيب عليه السلام ، قرأ العراقيون : الأيكة ها هنا وفي ص بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء ، وقرأ الآخرون : ليكة بفتح اللام والتاء غير مهموز ، جعلوها اسم البلدة وهو لا ينصرف ، ولم يختلفوا في سورة الحجر وق أنهما مهموزان مكسوران ، والأيكة : الغيضة من الشجر الملتف .
ثم جاءت فى نهاية هذه القصص ، قصة شعيب - عليه السلام - مع قومه . فقال - تعالى - : { كَذَّبَ أَصْحَابُ . . . } .
الأيكة : منطقة مليئة بالأشجار ، كانت - فى الغالب - بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة ، ولعلها المنطقة التى تسمى بمعان .
وشعيب ينتهى نسبه إلى إبراهيم - عليهما السلام - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيبا قال : " ذلك خطيب الأنبياء " لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته .
وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان ، وقطع الطريق ، فدعاهم إلى وحدانية الله - تعالى - وإلى مكارم الأخلاق .
قال ابن كثير : " هؤلاء - أعنى أصحاب الأيكة - هم أهل مدين على الصحيح ، وكان نبى الله شعيب من أنفسهم وإنما لم يقل ها هنا : أخوهم شعيب ، لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهى شجرة . وقيل شجر ملتف كالغيضة . كانوا يعبدونها ، فلهذا لما قال : كذب أصحاب الأيكة المرسلين ، لم يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب ، وإنما قال : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } فقطع نسبة الأخوة بينهم ، للمعنى الذى نسبوا إليه ، وإن كان أخاهم نسبا ، ومن الناس من لم يتفطن لهذه النكتة ، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين ، فزعم أن شعيبا - عليه السلام - بعثه الله إلى أمتين . . . والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا فى كل مقام بشىء ، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان ، كما فى قصة مدين سواء بسواء . . . " .
وقد افتتح شعيب - عليه السلام - دعوته لقومه . بأمرهم بتقوى الله - تعالى - وببيان أنه أمين فى تبليغهم ما أمره الله بتبليغه إليهم ، وبمصارحتهم بأنه لا يسألهم أجراً على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ"، والأيكة: الشجر الملتفّ، وهي واحدة الأيك، وكلّ شجر ملتفّ فهو عند العرب أيكة... وأصحاب الأيكة: هم أهل مَدْيَنَ فيما ذُكر... عن ابن عباس، قوله "كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ "يقول: أصحاب الغيضة.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
هؤلاء -أعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح. وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة...
كانوا يعبدونها؛ فلهذا لما قال: كذب أصحاب الأيكة المرسلين، لم يقل:"إذ قال لهم أخوهم شعيب"، وإنما قال: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ}، فقطع نسبة الأخوة بينهم؛ للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبا. ومن الناس مَنْ لم يتفطن لهذه النكتة، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والأظهر أن أهل الأيكة قبيلة غير مدين فإن مدين هم أهل نسب شعيب وهم ذرية مَدين بن إبراهيم من زوجه « قطورة» سكَن مدينُ في شرق بلد الخليل كما في التوراة، فاقتضى ذلك أنه وجده بلَداً مأهولاً بقوم فهم إذن أصحاب الأيكة، فبنى مدين وبنُوه المدينةَ وتركوا البادية لأهلها وهم سكان الغيضة. والذي يشهد لذلك ويرجحه أن القرآن لمَّا ذكرَ هذه القصةَ لأهل مدين وصف شعيباً بأنه أخوهم، ولما ذكرها لأصحاب ليكة لم يصف شعيباً بأنه أخوهم إذ لم يكن شعيب نسيباً ولا صهراً لأصحاب ليكة، وهذا إيماء دقيق إلى هذه النكتة. ومما يرجح ذلك قوله تعالى في سورة الحجر (78، 79) {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين}، فجعل ضميرهم مثنى باعتبار أنهم مجموع قبيلتين: مدين وأصحاب ليكة.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ومما يستلفت النظر، ويدل على وحدة الرسالات الإلهية، ووحدة الرسل الذين جاؤوا بها أن كتاب الله استعمل أسلوبا واحدا في حكاية ما خاطب به أولئك الرسل أقوامهم، على اختلاف أزمانهم وتعدد مواطنهم، إذ نجده يحكي عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب في هذه السورة أنهم جميعا عبروا عن نفس المعاني والمقاصد، واستعملوا نفس الطريقة في مخاطبة أقوامهم ودعوتهم إلى الإيمان بالرسالة التي جاؤوا بها من عند الله، إذ قال كل منهم مخاطبا لقومه: {ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} وهذا الخطاب يوضح أن هدف الرسالات الإلهية الأساسي هو وضع حد لما يقع فيه الناس من الانحراف والاستهتار، وإيقاظ ضمائرهم للخروج من تيه الغفلة واللامبالاة وقفص الجحود والإنكار، حتى يقبلوا على إصلاح ما فسد، ويهتموا بترميم ما تداعى للسقوط، ويحيوا حياة إنسانية نظيفة، منسجمة مع إرادة الله، لا تجلب سخطه وإنما تجلب رضاه، وتتحقق بها في الأرض الخلافة عن الله، وهذا هو معنى "التقوى "الذي يدعو إليه كافة الأنبياء والرسل {ألا تتقون}، إذ التقوى في معناه العام هو جعل النفس في "وقاية" مما يخاف منه ويؤذي، لتفادي جميع الأدواء والأسقام، والعيش في هناء وسعادة وسلام،
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذا نبيٌّ آخر عاش مع جماعةٍ من الناس في منطقةٍ قريبةٍ من مدين فيها شجرٌ كثيرٌ، وكانوا يمارسون الانحراف الأخلاقي في علاقاتهم الاقتصادية بالناس، فيسيئون إليهم في مسألة التعامل المالي، إذ يأكلون بعض حقوقهم بعد أن يأخذوا لأنفسهم القدر الوافي، ثم يدفعون لهم الناقص. فكانت رسالة شعيب إليهم أن يتقوا الله في ذلك وفي غيره..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.