{ 9-11 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره ، فإن في ذلك الربح والفلاح ، والخيرات الكثيرة ، وينهاهم أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن ذكره ، فإن محبة المال والأولاد مجبولة عليها أكثر النفوس ، فتقدمها على محبة الله ، وفي ذلك الخسارة العظيمة ، ولهذا قال تعالى : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ } أي : يلهه ماله وولده ، عن ذكر الله { فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } للسعادة الأبدية ، والنعيم المقيم ، لأنهم آثروا ما يفنى على ما يبقى ، قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .
ثم تختتم السورة الكريمة بنداء توجهه إلى المؤمنين ، تأمرهم فيه بالمواظبة على طاعة الله - تعالى - وتنهاهم عن أن يشغلهم عن ذلك شاغل ، وتحضهم على الإنفاق فى سبيل إعلاء كلمته - سبحانه - ، وعلى تقديم العمل الصالح الذى ينفعهم قبل فوات الأوان ، قال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ . . . } .
المقصود من هذه الآيات الكريمة نهى المؤمنين عن التشبه بالمنافقين الذين سبق الحديث عنهم بصورة مفصلة ، وحضهم على الاستجابة لما كلفهم الله - تعالى - به . أى : يامن آمنتم بالله - تعالى - إيمانا حقا ، { لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله } أى : لا تشغلكم أموالكم التى تهتمون بجمعها وتحصيلها . . . ولا أولادكم الذين هم أشهى ثمرات حياتكم . . . لا يشغلكم ذلك عن أداء ما كلفكم - سبحانه - بأدائه من طاعات ، فالمراد بذرك الله ، ما يشمل جميع التكاليف من صلاة وزكاة وصيام وحج ، وغير ذلك من الطاعات التى أمر الله - تعالى - بها .
وخص الأموال والأولاد بتوجيه النهى عن الاشتغال بهما اشتغالا يلهى عن ذكر الله ، لأنهما أكثر الأشياء التى تلهى عن طاعة الله - تعالى . . . فمن أجل الاشتغال بجمع المال ، يق ضى الإنسان معظم حياته ، وكثير من الناس من أجل جمع المال ، يضحون بما يفرضه عليهم دينهم من واجبات ، ومن أخلاق ، ومن سلوك وآداب . . .
ومن أجل راحة الأولاد قد يضحى الآباء براحتهم ، وبما تقضى به المروءة ، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول : " الولد مجبنة مبخلة " .
والتعبير بقوله - تعالى - : { لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله } يشعر بأن المسلم إذا اشتغل بجمع المال . وبرعاية الأولاد ، دون أن يصرفه ذلك عن طاعة الله ، أو عن أداء حق من حقوقه - تعالى - ، فإن هذا الاشتغال لا يكون مذموما ، بل يكون مرضيا عنه من الله - تعالى - .
واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولئك هُمُ الخاسرون } يعود إلى ما سبق ذكره من اللهو عن ذكر الله ، بسبب الأموال والأولاد .
أى : ومن يشغله حبه لماله وأولاده عن ذكر الله ، وعن أداء ما كلفه - سبحانه - به ، فأولئك هم البالغون أقصى درجات الخسرات والغفلة ، لأنهم خالفوا ما أمرهم به ربهم ، وآثروا ما ينفعهم فى عاجلتهم الفانية ، على ما ينفعهم فى آجلتهم الباقية
لهؤلاء المؤمنين الذين أوقفهم الله في صفه مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وجعل عزتهم من عزته يوجه النداء الأخير في السورة ، ليرتفعوا إلى هذا المكان الكريم ، ويبرأوا من كل صفة تشبه صفات المنافقين ، ويختاروا ذلك المقام الأسنى على الأموال والأولاد ، فلا يدعوها تلهيهم عن بلوغ ذلك المقام الوضيء :
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله . ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون . وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ، فيقول : رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين . ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ، والله خبير بما تعملون . .
والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب ، ويدرك غاية وجوده ، ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه ، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية . وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر الله والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان . ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر ، ويلهه عن ذكر الله ليتم له هذا الاتصال ( فأولئك هم الخاسرون ) . . وأول ما يخسرونه هو هذه السمة . سمة الإنسان . فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا . ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء . مهما يملك من مال ومن أولاد .
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره الصلوات وسائر العبادات المذكرة للمعبود والمراد نهيهم عن اللهو بها وتوجيه النهي إليها للمبالغة ولذا قال ومن يفعل ذلك أي اللهو بها وهو الشغل فأولئك هم الخاسرون لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني .