قوله تعالى : { وأما الذين في قلوبهم مرض } ، شك ونفاق ، { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } ، أي : كفرا إلى كفرهم ، فعند نزول كل سورة ينكرونها يزداد كفرهم بها . قال مجاهد : هذه الآية إشارة إلى الإيمان : يزيد وينقص . وكان عمر : يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول تعالوا حتى نزداد إيمانا . وقال علي بن أبي طالب : إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب ، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق ازداد السواد حتى يسود القلب كله ، وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود .
{ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي : شك ونفاق { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } أي : مرضا إلى مرضهم ، وشكا إلى شكهم ، من حيث إنهم كفروا بها ، وعاندوها وأعرضوا عنها ، فازداد لذلك مرضهم ، وترامى بهم إلى الهلاك { و } الطبع على قلوبهم ، حتى { مَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ }
وهذا عقوبة لهم ، لأنهم كفروا بآيات اللّه وعصوا رسوله ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه .
هذا شأن المؤمنين بالنسيبة لنزول السورة القرآنية ، وأما المنافقون ، فقد صور القرآن حالهم بقوله { وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ } .
أى : وأما الذين في قلوبهم شك ونفاق وارتياب . فزادهم نزول السورة كفرا على كفرهم السابق .
وسمى - سبحانه - الكفر رجسا ، لأنه أقبح الأشياء وأسوؤها .
وقوله : { وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } تذييل قصد به بيان سوء عقابتهم في الآخرة بعد بيان سوء أعمالهم في الدنيا .
أى : لقد قضى هؤلاء المنافقون حياتهم في الكفر والفسوق والعصان ، ثم لم يتوبوا عن ذلك ولم يرجعوا عنه ، بل ماتوا على الكفر والنفاق .
يقول تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ } فمن المنافقين { مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } ؟ أي : يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ قال الله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء ، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وقد بسط الكلام على هذه المسألة في أول " شرح البخاري " رحمه الله ، { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } أي : زادتهم شكا إلى شكهم ، وريبا إلى ريبهم ، كما قال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم ، كما أن سيئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا .
و { الذين في قلوبهم مرض } هم المنافقون ، وهذا تشبيه وذلك أن السالم المعتقد المنشرح الصدر بالإيمان يشبهه الصحيح ، والفاسد المعتقد يشبهه المريض ، ففي العبارة مجاز فصيح لأن المرض والصحة إنما هي{[5983]} خاصة في الأعضاء ، فهي في المعتقدات مجاز ، و «الرجس » في هذه الآية عبارة عن حالهم التي جمعت معنى الرجس في اللغة ، وذلك أن الرجس في اللغة يجيء بمعنى القذر ويجيء بمعنى العذاب ، وحال هؤلاء المنافقين هي قذر وهي عذاب عاجل كفيل بآجل ، وزيادة «الرجس إلى الرجس » هي عمههم في الكفر وخبطهم في الضلال يعاقبهم الله على الكفر والإعراض بالختم على قلوبهم والختم بالنار عليهم ، وإذ كفروا بسورة فقد زاد كفرهم فلذلك زيادة رجس إلى رجسهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.