ثم جمع للمنافقين أمرين مقابلين للأمرين المذكورين في المؤمنين ، فقال : { وأما الذين في قلوبهم مرض } يعني المنافقين { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } والمراد من الرجس إما العقائد الباطلة أو الأخلاق المذمومة ، فإن كان الأول كان المعنى أنهم كانوا مكذبين بالسور النازلة قبل ذلك ، والآن صاروا مكذبين بهذه السورة الجديدة ، فقد انضم كفر إلى كفر ، وإن كان الثاني كان المراد أنهم كانوا في الحسد والعداوة واستنباط وجوه المكر والكيد ، والآن ازدادت تلك الأخلاق الذميمة بسبب نزول هذه السورة الجديدة .
والأمر الثاني : أنهم يموتون على كفرهم ، فتكون هذه الحالة كالأمر المضاد للاستبشار الذي حصل في المؤمنين ، وهذه الحالة أسوأ وأقبح من الحالة الأولى ، وذلك لأن الحالة الأولى عبارة عن ازدياد الرجاسة ، وهذه الحالة عبارة عن مداومة الكفر وموتهم عليه . واحتج أصحابنا بقوله : { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } على أنه تعالى قد يصد عن الإيمان ويصرف عنه ، قالوا : إنه تعالى كان عالما بأن سماع هذه السورة يورث حصول الحسد والحقد في قلوبهم ، وأن حصول ذلك الحسد يورث مزيد الكفر في قلوبهم ، أجابوا وقالوا نزول تلك السورة لا يوجب ذلك الكفر الزائد ، بدليل أن الآخرين سمعوا تلك السورة وازدادوا إيمانا . فثبت أن تلك الرجاسة هم فعلوها من قبل أنفسهم .
قلنا : لا ندعي أن استماع هذه السورة سبب مستقل بترجيح جانب الكفر على جانب الإيمان ، بل نقول استماع هذه السورة للنفس المخصوصة والموصوفة بالخلق المعين والعادة المعينة . يوجب الكفر . والدليل عليه أن الإنسان الحسود لو أراد إزالة خلق الحسد عن نفسه ، يمكنه أن يترك الأفعال المشعرة بالحسد ، وأما الحالة القلبية المسماة بالحسد ، فلا يمكنه إزالتها عن نفسه ، وكذا القول في جميع الأخلاق فأصل القدرة غير ، والفعل غير ، والخلق غير ، فإن أصل القدرة حاصل للكل أما الأخلاق فالناس فيها متفاوتون . والحاصل أن النفس الطاهرة النقية عن حب الدنيا الموصوفة باستيلاء حب الله تعالى والآخرة إذا سمعت السورة صار سماعها موجبا لازدياد رغبته في الآخرة ونفرته عن الدنيا ، وأما النفس الحريصة على الدنيا المتهالكة على لذاتها الراغبة في طيباتها الغافلة عن حب الله تعالى والآخرة ، إذا سمعت هذه السورة المشتملة على الجهاد وتعريض النفس للقتل والمال للنهب ازداد كفرا على كفره . فثبت أن إنزال هذه السورة في حق هذا الكافر موجب لأن يزيد رجسا على رجس ، فكان إنزالها سببا في تقوية الكفر على قلب الكافر وذلك يدل على ما ذكرنا أنه تعالى قد يصد الإنسان ويمنعه عن الإيمان والرشد ويلقيه في الغي والكفر .
بقي في الآية مباحث : الأول : ما في قوله : { وإذا ما أنزلت سورة } صلة مؤكدة . الثاني : الاستبشار استدعاء البشارة ، لأنه كلما تذكر تلك النعمة حصلت البشارة ، فهو بواسطة تجديد ذلك التذكر يطلب تجديد البشارة . الثالث : قوله : { وأما الذين في قلوبهم مرض } يدل على أن الروح لها مرض ، فمرضها الكفر والأخلاق الذميمة ، وصحتها العلم والأخلاق الفاضلة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.