نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (125)

{ وأما الذين } وبين أن أشرف ما فيهم مسكن الآفة فقال : { في قلوبهم مرض } فمنعهم الإيمان وأثبت لهم الكفران فلم يؤمنوا .

ولما كان المراد بالمرض الفساد المعنوي المؤدي إلى خبث العقيدة ، عبر عنه بالرجس فقال : { فزادتهم رجساً } أي اضطراباً موجباً للشك ، وزاد الأمر بياناً بأن المراد المجاز بقوله : { إلى رجسهم } أي شكهم الذي كان في غيرها { وماتوا } أي واستمر بهم ذلك لتمكنه عندهم إلى أن ماتوا { وهم كافرون* } أي عريقون في الكفر ، وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه فساد في الروح يحتاج إلى علاج{[37442]} كفساد البدن في الاحتياج ، ومرض القلب أعضل ، وعلاجه أعسر{[37443]} وأشكل ، ودواءه أعز وأطباؤه أقل . ولما زاد الكفار بالسورة رجساً من أجل كفرهم بها{[37444]} ، كانت كأنها{[37445]} هي التي زادتهم ، وحسن وصفها بذلك{[37446]} كما حسن : كفى بالسلامة داء ، وكما قال الشاعر :

أرى بصري قد رابني بعد نصحه *** وحسبك داء أن تصح وتسلما

قاله الرماني ، فالمؤمنون يخبرون عن زيادة إيمانهم وهؤلاء يخبرون عن عدمه في وجدانهم{[37447]} ، فهذا موجب شكهم وتماديهم في غيهم وإفكهم ، ولو أنهم رجعوا إلى حاكم العقل لأزال شكهم وعرفهم صدق المؤمنين بالفرق بين حالتيهم ، فإن ظهور الثمرات مزيل للشبهات ، والآية من الاحتباك : إثبات الإيمان أولاً دليل على حذف{[37448]} ضده ثانياً ، وإثبات المرض ثانياً دليل على حذف الصحة أولاً .


[37442]:زيد من ظ.
[37443]:في ظ: أغسل.
[37444]:سقط من ظ.
[37445]:زيد من ظ.
[37446]:من ظ، وفي الأصل: لك.
[37447]:في ظ: وحدتهم.
[37448]:من ظ، وفي الأصل: صدق.