وقوله : ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ يقول تعالى ذكره : ألا تظلموا وتبخَسُوا في الوزن . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ألاّ تَطْغَوْا في المِيزَانِ اعدل يا ابن آدم كما تحبّ أن يعدل عليك ، وأوف كما تحبّ أن يُوَفى لك ، فإن بالعدل صلاح الناس .
وكان ابن عباس يقول : يا معشر المَوالِي ، إنكم قد وليتم أمرين ، بهما هلك من كان قبلكم ، هذا المكيال والميزان .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن مغيرة ، عن مسلم ، عن أبي المغيرة ، قال : سمعت ابن عباس يقول في سُوق المدينة : يا معشر الموالي ، إنكم قد بُليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الأمم : المِكْيال ، والمِيزان .
قال : ثنا مروان ، عن مغيرة ، قال : رأى ابن عباس رجلاً يزن قد أرجح ، فقال : أقم اللسان ، أقم اللسان ، أليس قد قال الله : وأقِيمُوا الْوَزْنَ بالقِسْط وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ .
وقوله : { ألا تطغوا في الميزان } وقوله : { وأقيموا الوزن } وقوله : { ولا تخسروا الميزان } يريد به الميزان المعروف ، وكل ما قيل محتمل سائغ .
وقوله : { ألا تطغوا } نهي عن التعمد الذي هو طغيان بالميزان . وأما ما لا يقدر البشر عليه من التحرير بالميزان فذلك موضوع عن الناس . «وأن لا » هو بتقدير لئلا ، أو مفعول من أجله . و : { تطغوا } نصب ، ويحتمل أن تكون «أن » مفسرة ، فيكون { تطغوا } جزماً بالنهي{[10808]} ، وفي مصحف ابن مسعود : «لا تطغوا في الميزان » بغير أن .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ألا تطغوا في الميزان} يعني ألا تظلموا في الميزان...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ" يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخَسُوا في الوزن...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{أَلاَّ تَطْغَوا فِي المِيزَانِ} وفي الميزان ما ذكرناه من الأقاويل:
أحدها: أنه العدل وطغيانه الجور، قاله مجاهد.
الثاني: أنه ميزان الأشياء الموزونات، وطغيانه البخس، قاله مقاتل.
الثالث: أنه الحكم، وطغيانه التحريف.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"ألا تطغوا في الميزان " نهي كأنه قال أي لا تطغوا، لأن (أن) تكون بمعنى أي ويجوز أن تكون علة، وتقديره: ووضع الميزان لأن لا تطغوا، وإنما أعاد ذكر الميزان من غير إضمار لئلا يكون الثاني مضمنا بالأول، وليكون قائما بنفسه في النهي عنه إذا قيل ألا تطغوا في الميزان... والطغيان الافراط في مجاوزة الحد في العدل...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
احفظوا العَدْل في جميع الأمور؛ في حقوق الآدميين وفي حقوق الله، فيعتبرُ العدلُ وتَرْكُ الحَيْفِ ومجاوزةُ الحدِّ في كل شيءٍ؛ ففي الأعمال يُعْتَبَرُ الإخلاصُ، وفي الأحوال الصدقُ، وفي الأنفاس الحقائقُ ومساواةُ الظاهرِ والباطنِ وتَرْكُ المداهنةِ والخداعِ والمكرِ ودقائق الشِّرِك وخفايا النفاق وغوامض الجنايات...
{ألا تطغوا في الميزان} وعلى هذا قيل: المراد من الميزان الأول العدل ووضعه شرعه كأنه قال: شرع الله العدل لئلا تطغوا في الميزان الذي هو آلة العدل، هذا هو المنقول، والأولى أن يعكس الأمر، ويقال: الميزان الأول هو الآلة، والثاني هو بمعنى المصدر ومعناه وضع الميزان لئلا تطغوا في الوزن أو بمعنى العدل وهو إعطاء كل مستحق حقه، فكأنه قال: وضع الآلة لئلا تطغوا في إعطاء المستحقين حقوقهم. ويجوز إرادة المصدر من الميزان كإرادة الوثوق من الميثاق والوعد من الميعاد، فإذن المراد من الميزان آلة الوزن.
(والوجه الثاني) إن" أن "مفسرة، والتقدير شرع العدل، أي لا تطغوا، فيكون وضع الميزان بمعنى شرع العدل، وإطلاق الوضع للشرع والميزان للعدل جائز، ويحتمل أن يقال: وضع الميزان أي الوزن.
وقوله: {ألا تطغوا في الميزان} على هذا الوجه، المراد منه الوزن، فكأنه نهى عن الطغيان في الوزن، والاتزان وإعادة الميزان بلفظه يدل على أن المراد منهما واحد، فكأنه قال: ألا تطغوا فيه، فإن قيل: لو كان المراد الوزن، لقال: ألا تطغوا في الوزن، نقول: لو قال في الوزن لظن أن النهي مختص بالوزن للغير لا بالاتزان للنفس، فذكر بلفظ الآلة التي تشتمل على الأخذ والإعطاء، وذلك لأن المعطي لو وزن ورجح رجحانا ظاهرا يكون قد أربى، ولاسيما في الصرف وبيع المثل.
ثم أمرنا سبحانه بأن نقيم ميزان العدالة {ألا تطغوا في الميزان} الطغيان هو مجاوزة الحد، أي: لا تتجاوزوا الحق إلى الباطل، إذن: الآيات تحدثنا عن منظومة كونية قامت على الحق وعلى نظام دقيق لا يشذ ولا يتخلف.
وميزان العدالة يحكم حركة الشمس والقمر كما يحكم حركة الإنسان، اقرأ: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)} [يس] فلم يطغ شيء على شيء، كذلك الإنسان.
{ألا تطغوا في الميزان} فالأجرام والأفلاك السماوية لما استقامت على ما خلقت عليه وعلى مراد الله منها استقامت حركتها في أداء مهمتها في الكون، فلم نر مثلا بين هذه الأجرام تصادما، كذلك أيها الإنسان إن أردت أن تستقيم حركة حياتك فسر فيها على هذا الميزان الذي وضعه الله لك.