اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ} (8)

قوله : { أَلاَّ تَطْغَواْ } ، في «أنْ » هذه وجهان{[54298]} :

أحدهما : أنها الناصبة ، و«لا » بعدها نافية ، و«تطغوا » منصوب ب «أن » ، و«أن » قبلها لام العلة مقدّرة تتعلق بقوله : «ووضَعَ المِيزانَ » ، التقدير : «لئلاَّ تَطغَوا » ، كقوله تعالى : { يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] .

وأجاز الزمخشري{[54299]} وابن عطية{[54300]} : أن تكون المفسرة ، وعلى هذا تكون «لا » ناهية ، والفعل مجزوم بها .

قال القرطبي : فلا يكون ل «أنْ » موضع من الإعراب ، فتكون بمعنى «أي » ، و«تطغوا » مجزوم بها كقوله : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا } [ ص : 6 ] ، أي : «امْشُوا » .

إلا أن أبا حيان رد هذا القول بأن شرط التفسيرية تقدم جملة متضمنة لمعنى القول ، وليست موجودة{[54301]} .

قال شهاب الدين{[54302]} : «وإلى كونها مفسرة{[54303]} ذهب مكي ، وأبو البقاء{[54304]} ، إلا أن أبا البقاء كأنه تنبه للاعتراض ، فقال : «وأن - بمعنى أي - والقول مقدر » .

فجعل الشيء المفسر ب «أن » مقدراً لا ملفوظاً به ، إلا أنه قد يقال إن قوله «والقول مقدر » ليس بجيّد ؛ لأنها لا تفسر القول الصريح ، فكيف يقدر ما لا يصحّ تفسيره ، فإصلاحه أن يقول : وما هو بمعنى القول مقدر » .

فصل في الطغيان في الميزان

والطغيان مجاوزة الحد ، فمن قال : الميزان العدل ، قال : الطغيان الجور ومن قال : إنه الميزان الذي يوزن به ، قال : طغيانه النّجس{[54305]} .

قال ابن عباس : لا تخونوا من وزنتم له{[54306]} .

وعنه أيضاً أنه قال : يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس : المكيال والميزان .

ومن قال : إنه طغيان{[54307]} الحكم ، قال : طغيانه التحريف .

وقيل : فيه إضمار ، أي : وضع الميزان وأمركم ألا تطغوا فيه .

فإن قيل{[54308]} : العلم لا شك في كونه نعمة ، وأما الميزان فأي نعمة عظيمة فيه حتى يعد بسببها في الآلاء ؟ .

فالجواب : أن النفوس تأبى الغَبْنَ ، ولا يرضى أحد بأن يغلبه غيره ، ولو في الشيء اليسير ، ويرى أن ذلك استهانة به ، فلا يترك خَصْمه يغلبه ، ثم إن عند عدم المعيار الذي به تُؤخذ الحقوق ، كل أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه ، فوضع الله - تعالى - معياراً بين به التَّساوي ، ولا يقع به البغضاء بين الناس ، وهو الميزان ، فهو نعمة كاملة ، ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته وكثرته ، وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء الذي لا يبين فضلهما إلاَّ عند فقدهما .


[54298]:ينظر: الدر المصون 6/237.
[54299]:الكشاف 4/444.
[54300]:المحرر الوجيز 5/225، والبحر المحيط 8/188، والدر المصون 6/237.
[54301]:ينظر: البحر المحيط 8/188.
[54302]:ينظر: الدر المصون 6/237.
[54303]:ينظر: المشكل 2/704.
[54304]:ينظر التبيان 1179.
[54305]:ينظر: القرطبي 17/101.
[54306]:ذكره الطبري في "تفسيره" (11/557).
[54307]:في ب: طغيانه.
[54308]:ينظر: الرازي 29/80.