قوله : { أَلاَّ تَطْغَواْ } ، في «أنْ » هذه وجهان{[54298]} :
أحدهما : أنها الناصبة ، و«لا » بعدها نافية ، و«تطغوا » منصوب ب «أن » ، و«أن » قبلها لام العلة مقدّرة تتعلق بقوله : «ووضَعَ المِيزانَ » ، التقدير : «لئلاَّ تَطغَوا » ، كقوله تعالى : { يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] .
وأجاز الزمخشري{[54299]} وابن عطية{[54300]} : أن تكون المفسرة ، وعلى هذا تكون «لا » ناهية ، والفعل مجزوم بها .
قال القرطبي : فلا يكون ل «أنْ » موضع من الإعراب ، فتكون بمعنى «أي » ، و«تطغوا » مجزوم بها كقوله : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا } [ ص : 6 ] ، أي : «امْشُوا » .
إلا أن أبا حيان رد هذا القول بأن شرط التفسيرية تقدم جملة متضمنة لمعنى القول ، وليست موجودة{[54301]} .
قال شهاب الدين{[54302]} : «وإلى كونها مفسرة{[54303]} ذهب مكي ، وأبو البقاء{[54304]} ، إلا أن أبا البقاء كأنه تنبه للاعتراض ، فقال : «وأن - بمعنى أي - والقول مقدر » .
فجعل الشيء المفسر ب «أن » مقدراً لا ملفوظاً به ، إلا أنه قد يقال إن قوله «والقول مقدر » ليس بجيّد ؛ لأنها لا تفسر القول الصريح ، فكيف يقدر ما لا يصحّ تفسيره ، فإصلاحه أن يقول : وما هو بمعنى القول مقدر » .
والطغيان مجاوزة الحد ، فمن قال : الميزان العدل ، قال : الطغيان الجور ومن قال : إنه الميزان الذي يوزن به ، قال : طغيانه النّجس{[54305]} .
قال ابن عباس : لا تخونوا من وزنتم له{[54306]} .
وعنه أيضاً أنه قال : يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس : المكيال والميزان .
ومن قال : إنه طغيان{[54307]} الحكم ، قال : طغيانه التحريف .
وقيل : فيه إضمار ، أي : وضع الميزان وأمركم ألا تطغوا فيه .
فإن قيل{[54308]} : العلم لا شك في كونه نعمة ، وأما الميزان فأي نعمة عظيمة فيه حتى يعد بسببها في الآلاء ؟ .
فالجواب : أن النفوس تأبى الغَبْنَ ، ولا يرضى أحد بأن يغلبه غيره ، ولو في الشيء اليسير ، ويرى أن ذلك استهانة به ، فلا يترك خَصْمه يغلبه ، ثم إن عند عدم المعيار الذي به تُؤخذ الحقوق ، كل أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه ، فوضع الله - تعالى - معياراً بين به التَّساوي ، ولا يقع به البغضاء بين الناس ، وهو الميزان ، فهو نعمة كاملة ، ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته وكثرته ، وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء الذي لا يبين فضلهما إلاَّ عند فقدهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.