مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ} (8)

ثم قال تعالى : { ألا تطغوا في الميزان } وعلى هذا قيل : المراد من الميزان الأول العدل ووضعه شرعه كأنه قال : شرع الله العدل لئلا تطغوا في الميزان الذي هو آلة العدل ، هذا هو المنقول ، والأولى أن يعكس الأمر ، ويقال : الميزان الأول هو الآلة ، والثاني هو بمعنى المصدر ومعناه وضع الميزان لئلا تطغوا في الوزن أو بمعنى العدل وهو إعطاء كل مستحق حقه ، فكأنه قال : وضع الآلة لئلا تطغوا في إعطاء المستحقين حقوقهم . ويجوز إرادة المصدر من الميزان كإرادة الوثوق من الميثاق والوعد من الميعاد ، فإذن المراد من الميزان آلة الوزن . ( والوجه الثاني ) إن أن مفسرة والتقدير شرع العدل ، أي لا تطغوا ، فيكون وضع الميزان بمعنى شرع العدل ، وإطلاق الوضع للشرع والميزان للعدل جائز ، ويحتمل أن يقال : وضع الميزان أي الوزن .

وقوله : { ألا تطغوا في الميزان } على هذا الوجه ، المراد منه الوزن ، فكأنه نهى عن الطغيان في الوزن ، والاتزان وإعادة الميزان بلفظه يدل على أن المراد منهما واحد ، فكأنه قال : ألا تطغوا فيه ، فإن قيل : لو كان المراد الوزن ، لقال : ألا تطغوا في الوزن ، نقول : لو قال في الوزن لظن أن النهي مختص بالوزن للغير لا بالاتزان للنفس ، فذكر بلفظ الآلة التي تشتمل على الأخذ والإعطاء ، وذلك لأن المعطي لو وزن ورجح رجحانا ظاهرا يكون قد أربى ، ولاسيما في الصرف وبيع المثل .