{ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ْ } أي : فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله ، بعد وضوحها ، { إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ْ } أي : من الهلاك والعقاب ، فإنهم صنعوا كصنيعهم وسنة الله جارية في الأولين والآخرين .
{ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ْ } فستعلمون من تكون له العاقبة الحسنة ، والنجاة في الدنيا والآخرة ، وليست إلا للرسل وأتباعهم . ولهذا قال : { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ْ }
ثم ساق - سبحانه - للمكذبين برسوله - صلى الله عليه وسلم - تهديدا يخلع قلوبهم فقال : { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين } .
قال القرطبي : " الأيام هنا بمعنى الوقائع ، يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعهم قال قتادة : يعنى وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، والعرب تسمى العذاب أياما والنعم أياما ، كقوله - تعالى - { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } وكل ما مضى لك من خير أو شر فهو أيام " .
والمعنى : إذا كان الأمر كما قصصنا عليك من إثابتنا للمؤمنين ، وجعل الرجس على الذين لا يعقلون ، فهل ينتظر هؤلاء المكذبين لدعوتك ، إلا العذاب الذي نزل بالمكذبين لدعوة الرسل من قبلك ؟ فالاستفهام للتهكم والتقريع .
وقوله : { قُلْ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين } أمر من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم بأن يستمر في تهديدهم ووعيدهم .
أى : قل - يا محمد - لهؤلاء الجاحدين للحق الذي جئت به : إذاً فانتظر العذاب الذي نزل بالسابقين من أمثالكم ، وإنى معكم من المنتظرين لوعد ربي لى ، ولوعيده لكم .
ولكن أولئك المكذبين من الجاهليين العرب - وأمثالهم - لا يتدبرون ولا يستجيبون . . فماذا ينتظرون ?
إن سنة الله لا تتخلف ، وعاقبة المكذبين معروفة ، وليس لهم أن يتوقعوا من سنة الله أن تتخلف . وقد يُنظرهم الله فلا يأخذهم بعذاب الاستئصال ، ولكن الذين يصرون على التكذيب لا بد لهم من النكال :
( فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ? ) . . ( قل : فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) .
وقوله : { فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ } أي : فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم المكذبة لرسلهم ، { قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا }{[14442]} أي : ونهلك المكذبين بالرسل ، { كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ } [ أي ]{[14443]} حقا : أوجبه تعالى على نفسه الكريمة : كقوله { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 12 ] كما جاء في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت{[14444]} غضبي " {[14445]}
القول في تأويل قوله تعالى : { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاّ مِثْلَ أَيّامِ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوَاْ إِنّي مَعَكُمْ مّنَ الْمُنْتَظِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم محذّرا مشركي قومه من حلول عاجل نقمة بساحتهم نحو الذي حلّ بنظرائهم من قبلهم من سائر الأمم الخالية من قبلهم السالكة في تكذيب رسل الله وجحود توحيد ربهم سبيلهم : فهل ينتظر يا محمد هؤلاء المشركون من قومك المكذّبون بما جئتهم به من عند الله ، إلا يوما يعاينون فيه من عذاب الله مثل أيام أسلافهم الذي كانوا على مثل الذي هم عليه من الشرك والتكذيب الذين مضوا قبلهم فخلَوْا من قوم نوح وعاد وثمود ، قل لهم يا محمد : إن كانوا ذلك ينتظرون ، فانتظروا عقاب الله إياكم ونزول سخطه بكم ، إني من المنتظرين هلاككم وبواركم بالعقوبة التي تحل بكم من الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أيامِ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يقول : وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أيامِ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فانْتَظِرُوا إني مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرينَ قال : خوّفهم عذابه ونقمته وعقوبته ، ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر أنجى الله رسله والذين آمنوا معه ، فقال الله : ثُمّ نُنَجّي رُسُلَنا والّذِينَ آمَنُوا كذلكَ حَقّا عَلَيْنا نُنْجِ المُؤْمِنينَ .
تفريع على جملة { ما تغني الآيات والنذر } [ يونس : 101 ] باعتبار ما اشتملت عليه من ذكر النُذُر . فهي خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أي يتفرع على انتفاء انتفاعهم بالآيات والنذر وعلى إصْرارهم أنْ يُسأل عنهم : ماذا ينتظرون ، ويجاب بأنهم ما ينتظرون إلا مِثل ما حلّ بمن قبلهم ممن سِيقت قصصهم في الآيات الماضية ، ووقع الاستفهام ب { هل } لإفادتها تحقيق السؤال وهو باعتبار تحقيق المسؤول عنه وأنه جدير بالجواب بالتحْقيق .
والاستفهام مجاز تهكمي إنكاري ، نزلوا منزلة من ينتظرون شيئاً يأتيهم ليؤمنوا ، وليس ثمة شيء يصلح لأن ينتظروه إلا أن ينتظروا حلول مثل أيام الذين خلوا من قبلهم التي هلكوا فيها . وضمن الاستفهام معنى النفي بقرينة الاستثناء المفرَّغ . والتقدير : فهل ينتظرون شيئاً مَا ينتظرون إلاّ مثل أيام الذين خلوا من قبلهم . وأطلقت الأيام على ما يقع فيها من الأحداث العظيمة . ومن هذا إطلاق « أيام العرب » على الوقائع الواقعة فيها .
وجملة : { قل فانتظروا } مفرعة على جملة : { فهل ينتظرون } . وفصل بين المفرّع والمفرّع عليه ب { قُل } لزيادة الاهتمام . ولينتقل من مخاطبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم قومه وبذلك يصير التفريع بين كلامين مختلفَي القائل شبيهاً بعطف التلقين الذي في قوله تعالى : { قال ومن ذريتي } [ البقرة : 124 ] . على أن الاختلاف بين كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام الوحي والتبليغ اختلاف ضعيف لأنهما آئلان إلى كلام واحد . وهذا موقع غريب لفاء التفريع .
وبهذا النسج حصل إيجاز بديع لأنه بالتفريع اعتبر ناشئاً عن كلام الله تعالى فكأنّ الله بلغه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلّغه قومه فليس له فيه إلاّ التبليغ ، وهو يتضمن وعد الله نبيئه بأنه يرى ما ينتظرهم من العذاب ، فهو وعيد وهو يتضمن النصر عليهم . وسيصرح بذلك في قوله : { ثم ننجي رسلنا } .
وجملة : { إني معكم من المنتظرين } استئناف بياني ناشىء عن جملة : { انتظروا } لأنها تثير سؤال سائل يقول : ها نحن أولاء ننتظر وأنت ماذا تفعل . وهذا مستعمل كناية عن ترقبه النصر إذ لا يظن به أنه ينتظر سوءاً فتعين أنه ينتظر من ذلك ضد ما يحصل لهم ، فالمعية في أصل الانتظار لا في الحاصل بالانتظار . و ( مع ) حال مؤكدة . و { من المنتظرين } خبر ( إنّ ) ومفاده مفاد ( مع ) إذ ماصدق المنتظرين هم المخاطبون المنتظرون .