ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة المصرين على كفرهم فقال : { والذين يَسْعَوْنَ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أولئك فِي العذاب مُحْضَرُونَ } .
أى : والذين يسعون فى إبطال آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، { مُعَاجِزِينَ } .
أى : زاعمين سبقهم لنا ، وعدم قدرتنا عليهم { أولئك } الذين يفعلون ذلك { فِي العذاب مُحْضَرُونَ } أى : فى عذاب جهنم مخلدون ، حيث تحضرهم ملائكة العذاب بدون شفقة أو رحمة ، وتلقى بهم فيها .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيَ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلََئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والذين يعملون في آياتنا ، يعني : في حججنا وآي كتابنا ، يبتغون إبطاله ، ويريدون إطفاء نوره معاونين ، يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم ، ويُعْجزوننا أُولَئكَ في العَذابِ مُحْضَرونَ يعني في عذاب جهنم محضرون يوم القيامة
لما ذكر تعالى المؤمنين العاملين الصالحات وذكر ثوابهم عقب بذكر ضدهم وذكر جزائهم ليظهر تباين المنازل ، وقرأت فرقة «معاجزين » ( وقرأت فرقة معجزين ) ، وقد تقدم تفسيرها في صدر السورة ، و { محضرون } من الإحضار والإعداد ، ثم كرر القول ببسط الرزق وقدره تأكيداً وتبييناً وقصد به ها هنا رزق المؤمنين وليس سوقه على المعنى الأول الذي جلب للكافرين ، بل هذا هنا على جهة الوعظ والتزهيد في الدنيا والحض على النفقة في الطاعات .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{والذين يسعون في آياتنا معاجزين}: عملوا بالتكذيب بالقرآن مثبطين عن الإيمان بالقرآن {أولئك في العذاب محضرون}: النار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: والذين يعملون في آياتنا، يعني: في حججنا وآي كتابنا، يبتغون إبطاله، ويريدون إطفاء نوره معاونين، يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم، ويُعْجزوننا، "أُولَئكَ في العَذابِ مُحْضَرونَ "يعني في عذاب جهنم محضرون يوم القيامة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{والذين يسعون في آياتنا معاجزين} أي يسعون في آياتنا سعي من يكون معاجزا، لا سعي من لا يكون، وهو ما قال: {أم حسب الذين يعملون السيئات} [العنكبوت: 4] أي يعملون عمل من يحسب أنه يسبِق، وهو كقوله: {يخادعون الله} [البقرة: 9] لا أحد يقصد قصد مخادعة الله لعلمه انه لا يخادَع، ولكن كأنه قال: يعملون عمل من يخادع الله لا عمل من يعلم أنه لا يخادع، فعلى ذلك هذا والله أعلم.
{في آياتنا معاجزين} إنما كان سعيهم في الآيات:... ليُسقطوا عن أنفسهم مؤنة ذلك وقبولها والعمل بها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
لما ذكر تعالى المؤمنين العاملين الصالحات، وذكر ثوابهم، عقب بذكر ضدهم وذكر جزائهم ليظهر تباين المنازل...
{أولئك في العذاب محضرون} إشارة إلى الدوام أيضا كما قال تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20] وكما قال تعالى: {وما هم عنها بغائبين}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان في سياق الترغيب في الإيمان بعد الإخبار بأنه بشير ونذير، قال معبراً بالمضارع بياناً لحال من يبعده ماله وولده من الله: {والذين يسعون} أي يجددون السعي من غير توبة بأموالهم وأولادهم.
{في آياتنا} على ما لها من عظمة الانتساب إلينا.
{معاجزين} أي طالبين تعجيزها، أي تعجيز الآتين بها عن إنفاذ مراداتهم بها بما يلقونه من الشبه، فيضلون غيرهم بما أوسعنا عليهم وأعززناهم به من الأموال والأولاد.
ولما كان سبحانه قد بت الحكم بشقاوتهم، وأنفذ القضاء بخسارتهم، أسقط فاء السبب إعراضاً عن أعمالهم.
{أولئك} أي البعداء البغضاء {في العذاب} أي المزيل للعذوبة {محضرون} أي يحضرهم فيه الموكلون بهم من جندنا على أهون وجه وأسهله وهم داخرون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جرى الكلام على عادة القرآن في تعقيب الترغيب بالترهيب وعكسِه، فكان هذا بمنزلة الاعتراض بين الثناء على المؤمنين الصالحين وبين إرشادهم إلى الانتفاع بأموالهم للقرب عند الله تعالى بجملة {وما أنفقتم من شيء} [سبأ: 39] الخ. والذين يسعون في الآيات هم المشركون بصدهم عن سماع القرآن وبالطعن فيه بالباطل واللغو عند سماعه.
والسعي مستعار للاجتهاد في العمل كقوله تعالى: {ثم أدبر يسعى} [النازعات: 22] وإذا عدي ب {في} كان في الغالب مراداً منه الاجتهاد في المضرة.
واسم الإِشارة للتنبيه على أنهم استحقوا الجحيم لأجل ما ذُكر قبل اسم الإِشارة مثل {أولئك على هدىً من ربهم} [البقرة: 5].
و {في العذاب} خبر عن اسم الإِشارة. و {محضرون} هنا كناية عن الملازمة فهو ارتقاء في المعنى الذي دلت عليه أداة الظرفية من إحاطة العذاب بهم وهو خبر ثان عن اسم الإِشارة، ومتعلقه محذوف دل عليه الظرف.
هؤلاء سَعَوْا في آيات الله ليصرفوا الناس عنها، ويشغلوهم عن سماعها.
ومعنى: {مُعَاجِزِينَ} مفردها مُعاجز، والمعاجزة مفاعلة يعني: واحد يعاجز الآخر أي: يريد أن يُعجزه، إذن: المعاجزة معركة، لكن إياكم أنْ تظنوا أنها بين مؤمنين وكافرين، أو بين الرسل والمكذِّبين لهم، لا إنما هي معركة عالية، فالذين يُعاجزون يُعاجزون الله في آياته ليبطلوها، وليضعوا العقبات في طريقها، ومهما كان كيدهم فلن يعجزوا الله، ولن يُفْلتوا منه سبحانه، كما قال تعالى:
{وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [سبأ: 51].
وهنا يقول: {أُوْلَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} ومعنى محضرون أنهم يحضرون رغماً عنهم، فهي اسم مفعول من حضر، فهم يُجَرُّون ويُشدُّون كالمقبوض عليهم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(اُولئك في العذاب محضرون) ليس فيها ما يدلّل على الزمان الآتي، فقد تكون إشارة إلى كون هؤلاء مأسورين بالعذاب حتّى في الوقت الحاضر، وأي عذاب أشدّ من هذا السجن الذي صنعوه لأنفسهم من أموالهم وأولادهم، كذلك يحتمل أن يكون التعبير للتدليل على أنّ وعد الله مسلّم به إلى درجة يمكن القول بأنّهم حالياً فيه، كما هو الحال بالنسبة إلى قوله: (فهم في الغرفات آمنون).
«معاجزين»: كما ذهب بعض أرباب اللغة إلى أنّ معناه أنّ هؤلاء تصوّروا أنّهم يستطيعون الفرار من دائرة قدرة الله تعالى وجزائه وعقابه، إلاّ أنّ هذا التوهّم باطل وسراب خادع...