{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } مضيئة تدل على الحق ويبصر بها كما تبصر الأبصار بالشمس . { قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } لم يكفهم مجرد القول بأنه سحر بل قالوا : { مُبِينٌ } ظاهر لكل أحد . وهذا من أعجب العجائب الآيات المبصرات والأنوار الساطعات ، تجعل من بين الخزعبلات وأظهر السحر ! هل هذا إلا من أعظم المكابرة وأوقح السفسطة .
ثم بين - سبحانه - موقف فرعون وقومه من هذه المعجزات الدالة على صدق موسى فقال :
{ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ . وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً . فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } .
وقوله { مُبْصِرَةً } من الإبصار والظهور . وهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول ، للإشعار بشدة وضوحها وإنارتها ، حتى لكأنها تبصر نفسها لو كانت مما يبصر ، كما يقال : ماء دافق بمعنى مدفوق .
وقوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا } من الجحود . وهو إنكار الحق مع العلم بأنه حق ، يقال : جحد فلان حق غيره ، إذا أنكره مع علمه به .
وقوله : { واستيقنتهآ } من الإيقان وهو الاعتقاد الجازم الذى لا يطرأ عليه شك وجىء بالسين لزيادة التأكيد .
والمعنى : وذهب موسى - عليه السلام - ومعه المعجزات الدالة على صدقه ، إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، فلما جاءهم موسى بتلك المعجزات المضيئة الواضحة للدلالة على صدقه ، قالوا على سبيل العناد والغرور : هذا الذى نراه منك يا موسى ، سحر بين وظاهر فى كونه سحرا .
وجحد فرعون وقومه هذه المعجزات التى جاء بها موسى من عند ربه - تعالى - ، مع أن أنفسهم قد علمت علماً لا شك معه أنها معجزات وليست سحراً ، ولكنهم خالفوا علمهم ويقينهم { ظُلْماً } للآيات حيث أنزلوها عن منزلتها الرفيعة وسموها سحراً { وَعُلُوّاً } أى : ترفعا واستكباراً عن الإيمان بها .
{ فانظر } أيها العاقل { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } ؟ لقد كانت عاقبتهم أن أغرقهم الله جميعاً ، بسبب كفرهم وظلمهم وجحودهم وفسادهم فى الأرض .
وفى التعبير بقوله : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا . . } إشعار بأن هذه الآيات الدالة على صدق موسى - عليه السلام - قد وصلت إليهم بدون أن يتعبوا أنفسهم فى الذهاب إليها ، فهى جاءتهم إلى بيوتهم لكى تهديهم إلى الصراط المستقيم ، ولكنهم قابلوا ذلك بالكفر والجحود .
وأسند - سبحانه - المجىء إلى الآيات وأضافها إلى ذاته - تعالى - للإشارة إلى أنها خارجة عن أن تكون من صنع موسى ، وإنما هى من صنع الله - تعالى - ومن فعله ، و موسى ما هو إلا منفذ لما أمره ربه ، ومؤيد لما منحه إياه من معجزات دالة على صدقه فيما يبلغه عنه .
وقوله : { ظُلْماً وَعُلُوّاً } منصوبان على أنهما مفعولان لأجله ، أو على أنهما حالان من فاعل جحدوا .
أى : جحدوا الآيات مع تيقنهم أنها من عند الله ، من أجل الظلم لها والتعالى على من جاء بها ، أو : جحدوا بها حالة كونهم ظالمين لها ، ومستكبرين عنها .
وفى قوله - سبحانه - : { فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } تسلية عظمى للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من الكافرين .
فهم كانوا كفرعون وقومه فى جحود الحق الذى جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مع يقينهم بأنه حق ، ولكن حال بينهم وبين الدخول أسباب متعددة ، على رأسها العناد ، والحسد ، والعكوف على ما كان عليه الآباء ، والكراهية لتغيير الأوضاع التى تهواها نفوسهم ، وزينتها لهم شهواتهم .
( فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا : هذا سحر مبين . وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا . فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) . .
هذه الآيات الكثيرة العدد ، الكاشفة عن الحق ، حتى ليبصره كل من له عينان . ويصف هذه الآيات نفسها بأنها مبصرة ، فهي تبصر الناس وتقودهم إلى الهدى . ومع هذ فقد قالوا عنها : إنها سحر مبين ! قالوا ذلك لا عن اقتناع به ، ولا عن شبهة فيه . إنما قالوه ( ظلما وعلوا )
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.