{ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة } قال المفسرون : إن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك لرسوله نؤمر فيه بإتباعك . قال الكلبي : إن المشركين قالوا : يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوباً عند رأسه ذنبه وكفارته ، فأتنا بمثل ذلك ، والصحف : الكتب ، وهي جمع الصحيفة ، و{ منشرة } : منشورة .
وقوله - سبحانه - : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } معطوف على كلام مقدر يقتضيه المقام ، وهو بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة .
والصحف : جمع صحيفة ، وهى ما يكتب فيها . ومنشره : صفة لها والمراد بها : الصحف المفتوحة غير المطوية . بحيث يقرؤها كل من رآها .
وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية : أن المشركين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم لن نتبعك حتى تأتى لكل واحد منا بكتاب من السماء ، عنوانه : من رب العالمين ، إلى فلان من فلان ، نؤمر فى هذا الكتاب باتباعك .
أى : إن هؤلاء الكافرين لا يكتفون بمواعظ القرآن . . بل يريد كل واحد منهم أن يعطى صحفا مفتوحة ، وكتبا غير مطوية ، بحيث يقرؤها كل من يراها . وفيها الأمر من الله - تعالى - لهم بوجوب اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَوْ ترقى فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ . . }
تلك هيئتهم الخارجية . ( حمر مستنفرة ، فرت من قسورة )ثم لا يدعهم حتى يرسم نفوسهم من الداخل ، وما يعتلج فيها من المشاعر :
( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) . .
فهو الحسد للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] أن يختاره الله ويوحي إليه ؛ والرغبة الملحة أن ينال كل منهم هذه المنزلة ، وأن يؤتى صحفا تنشر على الناس وتعلن . . ولا بد أن الإشارة هنا كانت بصدد الكبراء الذين شق عليهم أن يتخطاهم الوحي إلى محمد بن عبد الله ، فقالوا : ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ? ) . . ولقد علم الله أين يضع رسالته واختار لها ذلك الإنسان الكريم الكبير العظيم . فكان الحنق الذي يغلي في الصدور ، والذي يكشف عنه القرآن ، وهو يعلل ذلك الشماس والنفار !
وقوله : بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤَتى صُحُفا مَنَشّرَةً يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله ، ولكن كلّ رجل منهم يريد أن يؤتي كتابا من السماء ينزل عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤْتَي صُحُفا مُنَشّرَةً قال : قد قال قائلون من الناس : يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان ، نؤمر فيه باتباعك ، قال قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤْتَي صُحُفا مُنَشّرَةً قال : إلى فلان من ربّ العالمين .
إضراب انتقالي لذكر حالة أخرى من أحوال عنادهم إذ قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمية وغيرهما من كفار قريش للنبيء صلى الله عليه وسلم لا نؤمن لك حتى يأتي إلى كل رجل منا كتاب فيه من الله إلى فلاننٍ بن فلان ، وهذا من أفانين تكذيبهم بالقرآن أنه منزل من الله .
وجُمِع ( صُحُف ) إما لأنهم سألوا أن يكون كل أمر أو نهي تأتي الواحدَ منهم في شأنه صحيفةٌ ، وإِمّا لأنهم لما سألوا أن تأتي كل واحد منهم صحيفة باسمه وكانوا جماعة متفقين جمع لذلك فكأنّ الصحف جميعها جاءت لكل امرىء منهم .
والمنشَّرة : المفتوحة المقرؤة ، أي لا نكتفي بصحيفة مطوية لا نعلم ما كتب فيها و { منشَّرة } مبالَغَة في مَنْشُورة . والمبالغة واردة على ما يقتضيه فعل ( نَشَر ) المجرد من كون الكتاب مفتوحاً واضحاً من الصحف المتعارفة . وفي حديث الرجم فنشروا التوراة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.