تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلۡ يُرِيدُ كُلُّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ أَن يُؤۡتَىٰ صُحُفٗا مُّنَشَّرَةٗ} (52)

الآية 52 : وقوله تعالى : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشّرة } قال بعض أهل التأويل : إن المشركين قالوا : يا محمد بلغنا أن الرجل في بني إسرائيل كان إذا أذنب ذنبا ، فأصبح ، وجد صحيفة على باب داره أو مكتوبا عند رأسه : أنك أذنبت كذا ، وزاد بعضهم : أنك أذنبت كذا ، وتوبتك كذا ، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلهم كذلك ، فأخبر الله تعالى كذلك عنهم .

الآية 53 : ثم آيسهم من ذلك ، وقال : { كلا } أي لا تنالون ما تأملون .

وقال قتادة : قالوا : يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأت كل واحد منا بصحيفة خاصة : إلى فلان ابن فلان ، تأمرنا فيها باتباعك .

وقيل : سألوا أن يؤتوا ببراءة عمل ، ولكن لا يجب قطع الأمر على واحد/ 614 – بن هذه التأويلات ؛ بل يقال بها على جهة الإمكان والاحتمال لأن هؤلاء المفسرين لم يشاهدوا أولئك القوم الذين صدرت منهم هذه الإرادة ليجزوهم ماذا أرادوا به حتى يثبت ما ذكروا من القصص والأخبار ، ولا تواترت الأخبار عن ذي الحجة النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سألوه ذلك . لذلك لم يستقم قطع الأمر على ما ذكروا .

وجائز أن تكون هذه الإرادة تحققت في بعض الكفرة ، وهم الرؤساء منهم والأكابر ، لا أن أراد كل في ذات نفسه أن يؤتى صحفا منشّرة . والإرادة ههنا عبارة عن الطلب .

ثم طلبهم ما ذكر يتوجه إلى [ وجهين :

أحدهما ]{[22731]} : أن يكون كل واحد من عظمائهم ودّ أن يكون ، هو المخصوص بإنزال الكتاب عليه كما قال تعالى في آية أخرى : { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله }[ الأنعام : 124 ] فيكون في هذا إظهار استكبارهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة التعنت والعناد ، فيصير{[22732]} ذلك آية لهم على تحقيق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى حكاية عنهم : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } إلى قوله تعالى : { أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه }[ الإسراء : 90 -93 ] .

ففي هذه الآية إبانة أنهم كانوا يطلبون إنزال الكتاب عليهم ليتقرر لديهم رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكان ذلك على التعنت والعناد . وإلا لو تفكروا في حاله أدّاهم ذلك إلى العلم برسالته من غير أن يحتاجوا إلى تثبيت رسالته بكتاب ، ينزل عليهم والله أعلم .

[ والثاني ]{[22733]} : أن يكونوا رأوا أكابرهم أحق بالرسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى بإنزال الكتاب عليهم لما رأوهم أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم }بالزخرف : 31 ] وقوله{[22734]} في آية أخرى : { أأنزل عليه الذكر من بيننا } ؟ [ ص : 8 ] فأرادوا أن يؤتوا صحفا منشرة لهذا المعنى ، إذ هم أولى أن يخصوا بهذه الفضيلة .

وإنما ذكرنا هذه التأويلات في هذه الآية لأن هذه المعاني التي ذكرناها قد ظهرت منهم بمتلوّ القرآن ، والتأويلات التي ذكرها أهل التفسير لا يتهيأ تثبيتها من جهة الكتاب ولا من جهة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت هذه التأويلات أمكن وأملك بالآية من غيرها ، والله أعلم .


[22731]:في الأصل و م: أوجه ثلاثة أحدها.
[22732]:في الأصل و م: ليصير.
[22733]:في الأصل و م: وجائز.
[22734]:في الأصل و م: وقال.