المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{بَلۡ يُرِيدُ كُلُّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ أَن يُؤۡتَىٰ صُحُفٗا مُّنَشَّرَةٗ} (52)

وقوله تعالى : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة } معناه من هؤلاء المعارضين ، أي يريد كل إنسان منهم أن ينزل عليه كتاب من الله ، وكان هذا من قول عبد الله بن أبي أمية وغيره . وروي أن بعضهم قال إن كان يكتب في صحف ما يعمل كل إنسان فلتعرض ذلك الصحف علينا فنزلت الآية ، و { منشرة } : معناه منشورة غير مطوية ، وقرأ سعيد بن جبير «صحْفاً » بسكون الحاء وهي لغة يمانية ، وقرأ : «منْشرة » بسكون النون وتخفيف الشين ، وهذا على أن يشبه نشرت الثوب بأنشر الله الميت إذا لطى كالموت ، وقد عكس التيمي التشبيه في قوله : [ الكامل ]

ردت صنائعه عليه حياته*** فكأنه من نشرها منشور{[11457]}

ولا يقال في الميت يحيى منشور إلا على تشبيه بالثوب وأما محفوظ اللغة فنشرت الصحيفة وأنشر الله الميت ، وقد جاء عنهم نشر الله الميت .


[11457]:الصنائع: جمع صنيعة، وهي ما أعطيته وأسديته من معروف أو يد إلى إنسان. ونشر الصنائع: إذاعتها وشهرتها بين الناس، ومنشور هنا بمعنى أنه حي، يقول: إن ما صنعه من معروف وخير ذاع في الناس وانتشر حتى رد على الممدوح حياته فكأنه هو نفسه حي بين الناس، والشاهد هنا أن الشاعر شبه إحياء الممدوح بنشر المعروف والخير، وهذا عكس المألوف وهو تشبيه الثوب المطوي بالميت كأنه ميت بطيه، فإذا نشر صار حيا.