اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلۡ يُرِيدُ كُلُّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ أَن يُؤۡتَىٰ صُحُفٗا مُّنَشَّرَةٗ} (52)

قوله تعالى : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } ، أي : يُعطى كُتُباً مفتوحةً ، وذلك أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد ، لا نُؤمِنُ بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه : «من رب العالمين » ، إلى فلان ابن فلان ، ونُؤمر فيه بإتباعك ، ونظيره : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] .

وقال ابن عباس : كانوا يقولون : إن كان محمد صادقاً فليصبح عند رأس كل واحدٍ منا صحيفةٌ فيها براءةٌ من النار{[58605]} .

وقال مطرٌ الوراق : أرادوا أن يعطوا بغير عمل{[58606]} .

وقال الكلبي : قال المشركون : بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح عند رأسه مكتوباً ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك{[58607]} .

قال ابن الخطيب{[58608]} : وهذا من الصُّحف المنشَّرة بمعزل .

وقيل المعنى : أن يذكر بذكرٍ جميلٍ ، فجعلت الصُّحفُ موضعَ الذِّكر مجازاً ، فقالوا : إذا كانت ذنوب الإنسان تُكتَب عليه فما بالنا لا نرى ذلك ؟ !

قوله : «مُنشَّرة » .

العامة : على التشديد ، من «نشَّرهُ » بالتضعيف .

وابن جبير{[58609]} : «مُنْشرَةٌ » بالتخفيف ، و «نشَّر ، وأنشر » بمنزلة «نزّل وأنزَل » : والعامة أيضاً على ضمِّ الحاء من «صحُف » .

وابن جبير{[58610]} : على تسكينها .

قال أبو حيان{[58611]} : «والمحفوظ في الصحيفة والثوب : " نشَر " مخففاً ثلاثياً ، وهذا مردود بالقرآن المتواتر » .

وقال أبو البقاء في قراءة ابن جبير : «من أنشرت ، إما بمعنى أمر بنشرها مثل ألحمت عرض فلان ، أو بمعنى منشورة ، مثل : أحمدت الرجل ، أو بمعنى : أنشر الله الميِّت أي : أحياه : فكأنه أحياها فيها بذكره » .


[58605]:ينظر المصدر السابق.
[58606]:ينظر المصدر السابق.
[58607]:ينظر المصدر السابق.
[58608]:ينظر الرازي 30/187.
[58609]:ينظر: الكشاف 4/656، والمحرر الوجيز 5/400، والبحر المحيط 8/372.
[58610]:ينظر: المحرر الوجيز 5/400، والدر المصون 6/324.
[58611]:ينظر: البحر المحيط 8/381.