قوله تعالى : { أم لهم } أي : صلة فيه ، وفي أمثاله { آلهة تمنعهم من دوننا } فيه تقديم وتأخير ، تقديره : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ، ثم وصف الآلهة بالضعف ، فقال تعالى : { لا يستطيعون نصر أنفسهم } منع أنفسهم ، فكيف ينصرون عابديهم ، { ولا هم منا يصحبون } قال ابن عباس : يمنعون . وقال عطية : عنه يجارون ، تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان ، أي مجير منه . وقال مجاهد : ينصرون ويحفظون . وقال قتادة : ولا يصحبون من الله بخير .
{ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ْ } أي : إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم ، من يقدر على منعهم من ذلك السوء ، والشر النازل بهم ؟ ؟
{ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ْ } أي : لا يعانون على أمورهم من جهتنا ، وإذا لم يعانوا من الله ، فهم مخذولون في أمورهم ، لا يستطيعون جلب منفعة ، ولا دفع مضرة .
ثم وجه - سبحانه - إليهم سؤالا آخر فقال : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا . . .
و { أَمْ } هنا هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة ، فهى مشتملة على معنى الإضراب والإنكار .
والمعنى : وسلهم - أيها الرسول الكريم - مرة أخرى : ألهؤلاء الجاحدين آلهة أخرى تستطيع أن تحرسهم وترعاهم سوانا نحن ؟ كلا لبس لهم ذلك .
فالجملة الكريمة إضراب عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم على جهالاتهم بسبب اعتمادهم على آلهة لا تنفع ولا تضر .
وقوله : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } نفى على أبلغ وجه لأن تكون هناك آلهة ترعاهم سوى الله - تعالى - أى : كلا . . . ليس لهم آلهة تمنعهم من عذابنا إن أردنا إنزاله بهم ، فإن هؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصر غيرهم ، ولا هم منا يصحبون ، أى : يجارون ويمنعون من نزول الضر بهم .
قال ابن جرير : " وقوله { يُصْحَبُونَ } بمعنى يجارون ، تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان . بمعنى أجيرك وأمنعك منه . وهؤلاء إذا لم يصبحوا بالجوار ، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله ، مع سخط الله عليهم ، فلم يصحبوا بخير ولن ينصروا .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنّا يُصْحَبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ألهؤلاء المستعجلي ربهم بالعذاب آلهة تمنعهم ، إن نحن أحللنا بهم عذابنا ، وأنزلنا بهم بأسنا من دوننا ؟ ومعناه : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم منا ؟ ثم وصف جلّ ثناؤه الاَلهة بالضعف والمهانة ، وما هي به من صفتها ، فقال : وكيف تستطيع آلهتهم التي يدعونها من دوننا أن تمنعهم منا وهي لا تستطيع نصر أنفسها . وقوله : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك ، وفي معنى «يُصْحَبُون » ، فقال بعضهم : عني بذلك الاَلهة ، وأنها لا تصحب من الله بخير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنْفُسِهِمْ يعني الاَلهة . وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ يقول : لا يُصحبون من الله بخير .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا هم منا ينصرون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ قال : لا ينصرون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : أمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا إلى قوله : يُصْحَبُونَ قال : ينصرون . قال : قال مجاهد : ولا هم يُحْفظون .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ يُجَارُون . . .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ يقول : ولا هم منا يجارون ، وهو قوله : وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ يعني الصاحب ، وهو الإنسان يكون له خفير مما يخاف ، فهو قوله يصحبون .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس ، وأن هُمْ من قوله : وَلا هُمْ من ذكر الكفار ، وأن قوله : يُصْحَبُونَ بمعنى : يُجارون يُصْحبون بالجوار لأن العرب محكيّ عنها : أنا لك جار من فلان وصاحب ، بمعنى : أجيرك وأمنعك ، وهم إذا لم يصحبوا بالجوار ، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله مع سخط الله عليهم ، فلم يصحبوا بخير ولم ينصروا .
{ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } بل ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا ، أو من عذاب يكون من عندنا والإضرابان عن الأمر بالسؤال على الترتيب ، فإنه عن المعرض الغافل عن الشيء بعيد وعن المعتقد أبعد . { لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون } استئناف بإبطال ما اعتقدوه فإن من لا يقدر على نصر نفسه ولا يصحبه نصر من الله فكيف ينصر غيره .
ثم يقضي عليهم التقدير{[3]} في أنه لا مانع لهم من الله بأن كشف أمر آلهتهم والمعنى أيظنون أن آلهتهم التي هي بهذه الصفة { تمنعهم من دوننا } بل ما يمنعهم أحد إلا نحن ، وقوله تعالى : { ولا هم يصحبون } يحتمل تأويلين أحدهما يجارون ويمنعون ، والآخر { ولا هم منا يصحبون } بخير ولا تزكية ونحو هذا ، وفي الكلام تقدير بعد محذوف كأنه قال ليس ثم شيء من هذا كله بل ضل هؤلاء لأنا متعناهم ومتعنا آباءهم فنسوا عقاب الله وظنوا أن حالهم لا تبيد{[4]} والمعنى { طال العمر } في رخاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.