قوله تعالى : { وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين } وقرئ : { فارهين } قيل : معناهما واحد . وقيل : فارهين أي : حاذقين بنحتها ، من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره ، ومن قرأ { فرهين } قال ابن عباس : أشرين بطرين . وقال عكرمة : ناعمين . وقال مجاهد : شرهين . قال قتادة : معجبين بصنيعكم ، قال السدي : متجبرين . وقال أبو عبيدة : مرحين . وقال الأخفش فرحين . والعرب تعاقب بين الهاء والحاء مثل : مدحته ومدهته . قال الضحاك : كيسين .
ثم ذكرهم بنعمة أخرى ، وكرر عليهم الأمر بتقوى الله فقال : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ } .
وقوله : { وَتَنْحِتُونَ } معطوف على { أَتُتْرَكُونَ } فهو داخل فى حيز الإنكار عليهم ، لعدم شكرهم لله - تعالى - والنحت : البري . يقال : نحت فلان الحجر نحتا إذا براه وأعده للبناء .
و { فَارِهِينَ } أى : ماهرين حاذقين فى نحتها . من فره - ككرم - فراهة . إذا برع فى فعل الشىء ، وعرف غوامضه ودقائقه .
قال القرطبى : وقرأ ابن كثير وابو عمرو : { فَارِهِينَ } بغير ألف فى الفاء . وهى بمعنى واحد . . وفرق بينهما قوم فقالوا : { فَارِهِينَ } أى حاذقين فى نحتها . . . وفرهين - بغير ألف - أى : أشرين بطرين فرهين . .
أى : وأنهاكم - أيضا - عن انهماككم فى نحت الحجارة من الجبال بمهارة وبراعة ، لكى تبنوا بها بيوتا وقصورا بقصد الأشر والبطر ، لا يقصد الإصلاح والشكر لله - فمحل النهى إنما هو قصد الأشر والبطر فى البناء وفى النحت .
وقوله : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فَرِهِينَ يقول تعالى ذكره : وتتخذون من الجبال بيوتا . فاختلفت القرّاء في قراءة قوله فارِهِينَ فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة : فارِهِينَ بمعنى : حاذقين بنحتها . وقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة : «فَرِهِينَ » بغير ألف ، بمعنى : أشرين بطرين .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته ، فقال بعضهم : معنى فارهين : حاذقين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح وعبد الله بن شدّاد وتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فارِهِينَ قال أحدهما : حاذقين ، وقال الاَخر : يتجبرون .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا مروان ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فارِهِينَ قال : حاذقين بنحتها .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فارِهِينَ يقول : حاذقين .
وقال آخرون : معنى فارهين : مستفرهين متجبرين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن عبد الله بن شدّاد في قوله «فَرِهِينَ » قال : يتجبرون .
قال أبو جعفر : والصواب : فارهين .
وقال آخرون ممن قرأه فارهين : معنى ذلك : كَيّسين . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فاِرِهِينَ قال : كيّسين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك أنه قرأ فارهِينَ قال : كيّسين .
وقال آخرون : فرهين : أشرين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فارِهِينَ يقول : أشرين ، ويقال : كيسين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : «بُيُوتا فَرِهِينَ » قال : شرهين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بمثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : أقوياء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا فَرِهِينَ » قال : الفَرِه : القويّ . وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ، في قوله «فَرِهِينَ » قال : معجبين بصنيعكم .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قراءة من قرأها فارِهِينَ وقراءة من قرأ «فَرِهِينَ » قراءتان معروفتان ، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما في علماء القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . ومعنى قراءة من قرأ فارِهِينَ : حاذقين بنحتها ، متخيرين لمواضع نحتها ، كيسين ، من الفراهة . ومعنى قراءة من قرأ «فَرِهِينَ » : مَرِحين أشرين . وقد يجوز أن يكون معنى فَارِه وفَرِه واحدا ، فيكون فاره مبنيا على بنائه ، وأصله من فعل يفعل ، ويكون فره صفة ، كما يقال : فلان حاذق بهذا الأمر وحَذِق . ومن الفاره بمعنى المرح قول الشاعر عديّ بن وادع العوفي من الأزد :
لا أسْتَكِينُ إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ *** وَلَنْ تَرَانِي بِخَيْرٍ فارِهَ الطّلَبِ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.