الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ} (149)

قوله تعالى : " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " النحت النجر والبري . نحته ينحته " بالكسر " نحتا إذا براه والنحاتة البراية . والمنحت ما ينحت به . وفي " والصافات " قال : " أتعبدون ما تنحتون " [ الصافات : 95 ] . وكانوا ينحتونها من الجبال لما طالت أعمارهم وتهدم بناؤهم من المدر . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع : " فرهين " بغير ألف . الباقون : " فارهين " بألف وهما بمعنى واحد في قول أبي عبيدة وغيره . مثل : " عظاما نخرة " [ النازعات : 11 ] و " ناخرة " . وحكاه قطرب . وحكى فره يفره فهو فاره وفره يفره فهو فره وفاره إذا كان نشيطا . وهو نصب على الحال . وفرق بينهما قوم فقالوا : " فارهين " حاذقين بنحتها . قاله أبو عبيدة ، وروي عن ابن عباس وأبي صالح وغيرهما . وقال عبد الله بن شداد : " فارهين " متجبرين . وروي عن ابن عباس أيضا أن معنى : " فرهين " بغير ألف أشرين بطرين . وقاله مجاهد . وروى عنه شرهين . الضحاك : كيّسين . قتادة : معجبين . قاله الكلبي . وعنه : ناعمين . وعنه أيضا آمنين . وهو قول الحسن . وقيل : متخيرين . قاله الكلبي والسدي . ومنه قال الشاعر :

إلى فرِهٍ يُمَاجدُ كلَّ أمر *** قصدت له لأختبر الطِّبَاعَا

وقيل : متعجبين ، قاله خصيف . وقال ابن زيد : أقوياء . وقيل : فرهين فرحين . قاله الأخفش . والعرب تعاقب بين الهاء والحاء . تقول : مدهته ومدحته . فالفره الأشر الفرح ثم الفرح بمعنى المرح مذموم . قال الله تعالى : " ولا تمش في الأرض مرحا " [ الإسراء : 37 ] وقال : " إن الله لا يحب الفرحين " [ القصص : 76 ] .