معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا} (3)

{ والسابحات سبحاً } هم الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلاً رفيقاً ، ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرفق به . وقال مجاهد وأبو صالح : هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد يقال له : سابح إذا أسرع في جريه . وقيل : هي خيل الغزاة . وقال قتادة : هي النجوم والشمس والقمر ، قال الله تعالى : { كل في فلك يسبحون }( يس- 40 ) . وقال عطاء : هي السفن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا} (3)

وقوله : والسّابِحاتِ سَبْحا يقول تعالى ذكره : واللواتي تسبحُ سَبْحا .

واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جلّ ثناؤه من السابحات ، فقال بعضهم : هي الموت تسبح في نفس ابن آدم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد والسّابِحاتِ سَبْحا قال : الموت ، هكذا وجدته في كتابي وقد :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد والسّابِحاتِ سَبْحا قال : الملائكة ، وهكذا وجدت هذا أيضا في كتابي .

فإن يكن ما ذكرنا عن ابن حميد صحيحا ، فإن مجاهدا كان يرى أن نزول الملائكة من السماء سباحة ، كما يقال للفرس الجواد : إنه لسابح إذا مرّ يُسرع .

وقال آخرون : هي النجوم تَسْبح في فلكها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والسّابِحاتِ سَبْحا قال : هي النجوم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : هي السّفُن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن واصل بن السائب ، عن عطاء والسّابِحاتِ سَبْحا قال : السفن .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالسابحات سَبْحا من خلقه ، ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض ، فذلك كل سابح ، لما وصفنا قبلُ في «النازعات » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا} (3)

و { السابحات } صفة من السبح المجازي ، وأصل السبح العَوْم وهو تنقل الجسم على وجه الماء مباشرة وهو هنا مستعار لسرعة الانتقال ، فيجوز أن يكون المراد الملائكة السائرين في أجواء السماوات وآفاق الأرض ، وروي عن علي بن أبي طالب .

ويجوز أن يراد خِيل الغزاة حين هجومها على العدوّ سريعة كسرعة السابح في الماء كالسابحات في قول امرىء القيس يصف فرساً :

مُسِحٌ إذا ما السابحات على الونى *** أثرن الغبار بالكديد المركَّل

وقيل : { السابحات } النجوم ، وهو جار على قول من فسر النازعات بالنجوم ، { وسبحا } مصدر مؤكد لإِفادة التحقيق مع التوسل إلى تنوينه للتعظيم ، وعطف { فالسابقات } بالفاء يؤذن بأن هذه الصفة متفرعة عن التي قبلها لأنهم يعطفون بالفاء الصفات التي شأنها أن يتفرع بعضها عن بعض كما تقدم في قوله تعالى : { والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكرا } [ الصافات : 1 3 ] قول ابن زيابة :

يا لهفَ زَيَّابَةَ للحارث الصّ *** ابح فالغائم فالآيب

فلذلك { فالسابقات } هي السابقات من السابحات .