{ يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مّبِيناً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : يا أيّها النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ : يا أيها الناس من جميع أصناف الملل ، يهودها ونصاراها ومشركيها ، الذين قصّ الله جلّ ثناؤه قصصهم في هذه السورة قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول : قد جاءتكم حجة من الله تبرهن لكم بطول ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم ومللكم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي جعله الله عليكم حجة قطع بها عذركم ، وأبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم ، مع تعريفه إياكم صحة نبوّته وتحقيق رسالته . وأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُورا مُبِينا يقول : وأنزلنا إليكم معه نورا مبينا ، يعني : يبين لكم المحجّة الواضحة والسبل الهادية إلى ما فيه لكم النجاة من عذاب الله وأليم عقابه إن سلكتموها واستنرتم بضوئه . وذلك النور المبين هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ قال : حجة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ : أي بينة من ربكم ، وأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُورا مُبِينا ، وهو هذا القرآن .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنَ رَبّكُمْ يقول : حجة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : برهان ، قال : ببينة وأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُورا مُبِينا قال : القرآن .
وقوله تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم } الآية إشارة إلى محمد رسول الله ، و «البرهان » : الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام ، والمعنى : قد جاءكم مقترناً بمحمد برهان من الله تعالى على صحة ما يدعوكم إليه وفساد ما أنتم عليه من النحل ، وقوله تعالى : { وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } يعني القرآن فيه بيان لكل شيء ، وهو الواعظ الزاجر ، الناهي الآمر .
فذلكة للكلام السابق بما هو جامع للأخذ بالهدى ونبذ الضلال ، بما اشتمل عليه القرآن من دلائل الحقّ وكبح الباطل . فالجملة استئناف وإقبال على خطاب النّاس كلّهم بعد أن كان الخطاب موجّهاً إلى أهل الكتاب خاصّة . والبرهان : الحجّة ، وقد يخصّص بالحجّة الواضحة الفاصلة ، وهو غالب ما يقصد به في القرآن ، ولهذا سمّى حكماء الإسلام أجَلّ أنواع الدليل ، بُرهاناً .
والمراد هنا دلائل النبوءة . وأمّا النور المبين فهو القرآن لقوله : { وأنزلنا } والقول في { جاءكم } كالقولِ في نظيره المتقدّم في قوله : { قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم } [ النساء : 170 ] ؛ وكذلك القول في { أنزلنا إليكم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.