معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30)

قوله تعالى : { إنك ميت } أي : ستموت . { وإنهم ميتون } أي : سيموتون . قال الفراء ، والكسائي : الميت بالتشديد من لم يمت ، وسيموت . الميت بالتخفيف من فارق الروح ، ولذلك لم يخفف هاهنا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30)

القول في تأويل قوله تعالى { إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ * ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن كَذَبَ علَى اللّهِ وَكَذّبَ بِالصّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْكَافِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إنك يا محمد ميت عن قليل ، وإن هؤلاء المكذّبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول : ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم ، ويفصل بين جميعكم بالحقّ .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عنى به اختصام المؤمنين والكافرين ، واختصام المظلوم والظالم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهتدي الضالّ ، والضعيف المستكبر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال : أهل الإسلام وأهل الكفر .

حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا ابن الدراوردي ، قال : ثني محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن الزبير ، قال : لما نزلت هذه الاَية : إنّكَ مَيّتٌ وإنّهُمْ مّيّتُونَ ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال الزبير : يا رسول الله ، أينكر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «نَعَمْ حتى يُوءَدّى إلى كُلّ ذي حَقَ حَقّهُ » .

وقال آخرون : بل عُني بذلك اختصام أهل الإسلام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عمر ، قال : نزلت علينا هذه الاَية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة ، فقلنا : هذا الذي وعدنا ربّنا أن نختصم فيه ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن عون ، عن إبراهيم ، قال : لما نزلت : إنكَ مَيّتٌ وإنّهُمْ مَيّتُونَ ثُمّ إنّكُمْ . . . الاَية ، قالوا : ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان ، قال : فلما قُتل عثمان بن عفان ، قالوا : هذه خصومتنا بيننا .

حُدثت عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال : هم أهل القبلة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : عُني بذلك : إنك يا محمد ستموت ، وإنكم أيها الناس ستموتون ، ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم ، مؤمنكم وكافركم ، ومحقوكم ومبطلوكم ، وظالموكم ومظلوموكم ، حتى يؤخذ لكلّ منكم ممن لصاحبه قبله حق حقّه .

وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب لأن الله عمّ بقوله : ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ خطاب جميع عباده ، فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض ، فذلك على عمومه على ما عمه الله به وقد تنزل الاَية في معنى ، ثم يكون داخلاً في حكمها كلّ ما كان في معنى ما نزلت به .