الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنك ميت} يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

{وإنهم ميتون} يعني أهل مكة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنك يا محمد ميت عن قليل، وإن هؤلاء المكذّبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{إنك ميّت وإنهم ميّتون} وجه ذكر هذا على إثر ما تقدم من قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} وقد استووا في هذه الدنيا: من أخلص نفسه ودينه لله وللرسول، ومن جعل في دينه شركاء، ولم يسلّم نفسه له، وهو الكافر، ثم تموت أنت، ويموتون؛ فلو لم تكن دار أخرى، يُميَّز فيها، ويُفرَّق بين الذي جعل نفسه سالما لله خالصا وبين من لم يفعل ذلك، لكان في ذلك استواء بين من ذكر، وفي الحكمة أن لا استواء بينهما. ويموت المسلم نفسه لله، ويموت الآخر. دلّ أن في ذلك بعثا، يثاب هذا، ويعاقب الآخر، والله أعلم.

ويحتمل أنه ذكر هذا لما كانوا يتشاءمون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتطيّرون في ما يصيبهم من المصائب والشدائد حتى قال عز وجل: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] أي لا يخلُدون. فعلى ذلك يقول عز وجل {إنك ميّت وإنهم ميّتون} أيضا أي لا يبقون هم بعد موتك أبدا، ولكنهم يموتون، ولو كان ما يصيبهم، بل يصيبك أنت على ما يزعمون لأخبر ألا يصيبهم بعد موتك، هذا لا يُحتمل.

ويحتمل أن يقول: {إنك ميّت} فتصل إلى ما وعدك من الكرامات والثواب، ويموتون هم، فيصلون إلى ما أوعدوا من المواعيد والعقوبات.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموته وموتهم، فاحتمل خمسة أوجه: أحدها: أن يذكر ذلك تحذيراً من الآخرة.

الثاني: أن يذكره حثاً على العمل.

الثالث: أن يذكره توطئة للموت.

الرابع: لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره، حتى إن عمر لما أنكر موته احتج أبو بكر بهذه الآية فأمسك.

الخامس: ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره؛ لتكثر فيه السلوى وتقل الحسرة.

ومعنى إنك ميت أي ستموت، يقال ميت بالتشديد للذي سيموت، وميت بالتخفيف لمن قد مات...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى؛ لأنّ ما هو كائن فكأن قد كان.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ابتدأ القول معهم غرضاً آخر من الوعيد يوم القيامة والخصوم، ومن التحذير من حال الكذبة على الله المكذبين بالصدق، فقدم تعالى لذلك توطئة مضمنها وعظ النفوس وتهيئتها لقبول الكلام وحذف التوعد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

هؤلاء الأقوام وإن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة بسبب استيلاء الحرص والحسد عليهم في الدنيا، فلا تبال يا محمد بهذا؛ فإنك ستموت وهم أيضا سيموتون...

مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :

كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني، وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك وإياهم في عداد الموتى؛ لأن ما هو كائن فكأن قد كان...

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

في هذا وعد للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد للكفار، فإنهم إذا ماتوا جميعا وصاروا إلى الله فاز من كان على الحق وهلك من كان على الباطل.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان السالم مثلاً له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه، والآخر للمخالفين، وكان سبحانه قد أثبت جهلهم، وكان الجاهل ذا حمية وإباء لما يدعى إليه من الحق وعصبيته، والجاهلون لأهل العلم اعداء، فكان لذلك التفكر في أمرهم وما يؤدي إليه من التقاعد من الأتباع والتصويب بالأذى ولا سيما وهم أكثر من أهل العلم مؤدياً إلى الأسف وشديد القلق فكان موضع أن يقال: فما يعمل؟ وكان لا ينبغي في الحقيقة أن يقلق إلا من ظن دوام النكد، قال تعالى مسلياً ومعزياً وموسياً في سياق التأكيد، تنبيهاً على أن من قلق كان حاله مقتضياً لإنكار انقطاع التأكيد:

{إنك} فخصه صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب إذا كان للرأس كان أصدع لأتباعه فكل موضع كان للأتباع وخص فيه صلى الله عليه وسلم بالخطاب دونهم فهم المخاطبون في الحقيقة على وجه أبلغ.

ولما لم يكن لممكن من نفسه إلا العدم قال: {ميت} أي الآن لأن هذه صفة لازمة بخلاف "مايت "يعني: فكن كالميت بين يدي الغاسل فإنك مستريح قريباً عما تقاسي من أنكادهم، وراجع إلى ربك ليجازيك على طاعتك له.

{وإنهم} أي العباد كلهم أتباعك وغيرهم.

{ميتون} فمنقطع ما هم فيه من اللدد والعيش والرغد...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إنه الموت نهاية كل حي؛ ولا يتفرد بالبقاء إلا الله وفي الموت يستوي كل البشر بما فيهم محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وذكر هذه الحقيقة هنا حلقة من حلقات التوحيد الذي تقرره السورة كلها وتؤكده...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لمّا جرى الكلام من أول السورة في مهيع إبطال الشرك وإثبات الوحدانية للإله، وتوضيح الاختلاف بين حال المشركين وحال الموحّدين المؤمنين بما ينبئ بتفضيل حال المؤمنين، وفي مهيع إقامة الحجة على بطلان الشرك وعلى أحقيّة الإِيمان، وإرشاد المشركين إلى التبصر في هذا القرآن، وتخلل في ذلك ما يقتضي أنهم غير مقلعين عن باطلهم، وختم بتسجيل جهلهم وعدم علمهم، خُتم هذا الغرض بإحالتهم على حكم الله بينهم وبين المؤمنين يوم القيامة حين لا يستطيعون إنكاراً، وحين يلتفتون فلا يَرون إلا ناراً، وقدم لذلك تذكيرهم بأن الناس كلهم صائرون إلى الموت، فإن الموت آخر ما يذكر به السادر في غلوائه إذا كان قد اغتر بعظمة الحياة ولم يتفكر في اختيار طريق السلامة والنجاة، وهذا من انتهاز القرآن فرص الإِرشاد والموعظة...