تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30)

قوله تعالى : { إنك ميّت وإنهم ميّتون } وجه ذكر هذا على إثر ما تقدم من قوله : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } وقد استووا في هذه الدنيا : من أخلص نفسه ودينه لله وللرسول ومن جعل في دينه شركاء ، ولم يسلّم نفسه له ، وهو الكافر ، ثم تموت أنت ، ويموتون . فلو لم تكن دار أخرى ، يُميَّز فيها ، ويُفرَّق بين الذي جعل نفسه سالما لله خالصا وبين من لم يفعل ذلك ، لكان في ذلك استواء بين من ذكر . وفي الحكمة أن لا استواء بينهما . ويموت المسلم نفسه لله ، ويموت الآخر . دلّ أن في ذلك بعثا ، يثاب هذا ، ويعاقب الآخر ، والله أعلم .

ويحتمل أنه ذكر هذا لما كانوا يتشاءمون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتطيّرون ، في ما يصيبهم من المصائب والشدائد حتى قال عز وجل : { أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] أي لا يخلُدون . فعلى ذلك يقول عز وجل { إنك ميّت وإنهم ميّتون } أيضا أي لا يبقون هم بعد موتك أبدا ، ولكنهم يموتون .

ولو كان ما يصيبهم ، بل يصيبك أنت على ما يزعمون لأخبر ألا يصيبهم بعد موتك . هذا لا يُحتمل ، والله أعلم . ويحتمل أن يقول : { إنك ميّت } فتصل إلى ما وعدك من الكرامات والثواب ، ويموتون هم ، فيصلون إلى ما أوعدوا من المواعيد والعقوبات ، والله أعلم .