فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30)

ثم أخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الموت يدركه ويدركهم لا محالة ، فقال : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } وذلك إنهم كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت ، فأخبر أن الموت يعمهم جميعا ، فلا معنى للتربص ، وشماتة الفاني بالفاني وهذا تمهيد لما يعقبه من الخصام يوم القيامة ، قرأ الجمهور ميت وميتون بالتشديد ، وقرئ مائة ومائتون ، وبها قرأ عبد الله بن الزبير ، وقد استحسن هذه القراءة بعض المفسرين لكون موته وموتهم مستقبلا ، ولا وجه للاستحسان فإن قراءة الجمهور تفيد هذا المعنى ، قال الفراء والكسائي : الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت ، والميت بالتخفيف من قد مات وفارقته الروح قال الخليل : أنشد أبو عمرو :

وتسألني تفسير ميت وميت *** فدونك قد فسرت إن كنت تعقل

فمن كان ذا روح فذلك ميت *** وما الميت إلا من إلى القبر يحمل

وقال السمين : ولا خلاف بين القراء في تثقيل مثل هذا ؟ قال قتادة : نعيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، نفسه ونعيت إليهم أنفسهم ، ووجه هذا الإخبار الإعلام للصحابة بأنه يموت ، فقد كان بعضهم يعتقد أنه لا يموت مع كونه توطئة وتمهيدا لما بعده أخرج النسائي وغيره عن ابن عمر قال : لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبلنا ، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها نزلت فينا .