نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30)

ولما كان السالم مثلاً له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه ، والآخر للمخالفين ، وكان سبحانه قد أثبت جهلهم ، وكان الجاهل ذا حمية وإباء لما يدعى إليه من الحق وعصبيته :والجاهلون لأهل العلم اعداء . فكان لذلك التفكر في أمرهم وما يؤدي إليه من التقاعد من الأتباع والتصويب بالأذى ولا سيما وهم أكثر من أهل العلم مؤدياً إلى الأسف وشديد القلق فكان موضع أن يقال : فما يعمل ؟ وكان لا ينبغي في الحقيقة أن يقلق إلا من ظن دوام النكد ، قال تعالى مسلياً ومعزياً وموسياً في سياق التأكيد ، تنبيهاً على أن من قلق كان حاله مقتضياً لإنكار انقطاع التأكيد : { إنك } فخصه صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب إذا كان للرأس كان أصدع لأتباعه ، فكل موضع كان للأتباع وخص فيه صلى الله عليه وسلم بالخطاب دونهم فهم المخاطبون في الحقيقة على وجه أبلغ .

ولما لم يكن لممكن من نفسه إلا العدم قال : { ميت } أي الآن لأن هذه صفة لازمة بخلاف " مايت " يعني : فكن كالميت بين يدي الغاسل فإنك مستريح قريباً عما تقاسي من أنكادهم ، وراجع إلى ربك ليجازيك على طاعتك له { وإنهم } أي العباد كلهم أتباعك وغيرهم { ميتون } فمنقطع ما هم فيه من اللدد والعيش والرغد .