معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ} (8)

قوله تعالى : { أن لا تطغوا في الميزان } أي : لا تجاوزوا العدل . وقال الحسن وقتادة والضحاك : أراد به الذي يوزن به ليوصل به إلى الإنصاف والانتصاف ، وأصل الوزن التقدير ( ألا تطغوا ) يعني لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ} (8)

وجملة : { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان } بمنزلة التعليل لما قبلها . أى : شرع العدل بين الناس ، وأوجب عليهم التمسك به فى كل شئونهم ، لئلا يتجاوزوه إلى غيره من الجور والظلم . والطغيان : هو تجاوز الحدود المشروعة فى كل شىء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ} (8)

و ( أنْ ) في قوله : { ألا تطغوا } يجوز أن تكون تفسيرية لأن فعل وضع الميزان فيه معنى أمر الناس بالعدل . وفي الأمر معنى القول دون حروفه فهو حقيق بأن يأتي تفسيرُه بحرف ( أنْ ) التفسيرية .

فكان النهي عن إضاعة العدل في أكثر المعاملات تفسيراً لذلك . فتكون ( لا ) ناهية .

ويجوز أن تكون ( أنْ ) مصدرية بتقدير لاَم الجر محذوفة قبلَها . والتقدير : لئلا تَطْغَوْا في الميزان ، وعلى كلا الاحتمالين يراد بالميزان ما يشمل العدل ويشمل ما به تقدير الأشياء الموزونة ونحوها في البيع والشراء ، أي من فوائد تنزيل الأمر بالعدل أن تجتنبوا الطغيان في إقامة الوزن في المعاملة . وتكون ( لا ) نافية ، وفعْل { تطغوا } منصوباً ب ( أن ) المصدرية .

ولفظ { الميزان } يسمح بإرادة المعنيين على طريقة استعمال المشترك في معنييه . وفي لفظ الميزان وما قارنه من فعل { وضع } وفعلي { لا تَطْغَوْا } و { أقيموا } وحرف الباء في قوله : { بالقسط } وحرف { في } من قوله : { في الميزان } ولفظ { القسط } ، كل هذه تظاهرت على إفادة هذه المعاني وهذا من إعجاز القرآن .

والطغيان : دحض الحق عمداً واحتقاراً لأصحابه ، فمعنى الطغيان في العدل الاستخفاف بإضاعته وضعف الوازع عن الظلم . ومعنى الطغيان في وزن المقدرات تطفيفه .

و { في } من قوله : { في الميزان } ظرفية مجازية تفيد النهي عن أقل طغيان على الميزان ، أي ليس النهي عن إضاعة الميزان كله بل النهي عن كل طغيان يتعلق به على نحو الظرفية في قوله تعالى : { وارزقوهم فيها واكسوهم } [ النساء : 5 ] ، أي ارزقوهم من بعضها وقول سَبرة بننِ عَمْرو الفقعسي :

سَبرةَ بنِ عَمْرو الفقعسي *** ونَشرب في أثمانها ونُقامر

إذْ أراد أنهم يشربون الخمر ببعض أثمان إبلهم ويقامرون ، أي أن لهم فيها منافع أخرى وهي العطاء والأكل منها لقوله في صدر البيت :

نُحابي بها أكفاءنا ونُهينُها

وقوله تعالى : { وأقيموا الوزن بالقسط } عطف على جملة { ألا تطغوا في الميزان } على احتمال كون المعطوف عليها تفسيرية . وعلى جملة { ووضع الميزان } على احتمال كون المعطوف عليها تعليلاً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ} (8)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ألا تطغوا في الميزان} يعني ألا تظلموا في الميزان...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ" يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخَسُوا في الوزن...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{أَلاَّ تَطْغَوا فِي المِيزَانِ} وفي الميزان ما ذكرناه من الأقاويل:

أحدها: أنه العدل وطغيانه الجور، قاله مجاهد.

الثاني: أنه ميزان الأشياء الموزونات، وطغيانه البخس، قاله مقاتل.

الثالث: أنه الحكم، وطغيانه التحريف.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"ألا تطغوا في الميزان " نهي كأنه قال أي لا تطغوا، لأن (أن) تكون بمعنى أي ويجوز أن تكون علة، وتقديره: ووضع الميزان لأن لا تطغوا، وإنما أعاد ذكر الميزان من غير إضمار لئلا يكون الثاني مضمنا بالأول، وليكون قائما بنفسه في النهي عنه إذا قيل ألا تطغوا في الميزان... والطغيان الافراط في مجاوزة الحد في العدل...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

احفظوا العَدْل في جميع الأمور؛ في حقوق الآدميين وفي حقوق الله، فيعتبرُ العدلُ وتَرْكُ الحَيْفِ ومجاوزةُ الحدِّ في كل شيءٍ؛ ففي الأعمال يُعْتَبَرُ الإخلاصُ، وفي الأحوال الصدقُ، وفي الأنفاس الحقائقُ ومساواةُ الظاهرِ والباطنِ وتَرْكُ المداهنةِ والخداعِ والمكرِ ودقائق الشِّرِك وخفايا النفاق وغوامض الجنايات...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ألا تطغوا في الميزان} وعلى هذا قيل: المراد من الميزان الأول العدل ووضعه شرعه كأنه قال: شرع الله العدل لئلا تطغوا في الميزان الذي هو آلة العدل، هذا هو المنقول، والأولى أن يعكس الأمر، ويقال: الميزان الأول هو الآلة، والثاني هو بمعنى المصدر ومعناه وضع الميزان لئلا تطغوا في الوزن أو بمعنى العدل وهو إعطاء كل مستحق حقه، فكأنه قال: وضع الآلة لئلا تطغوا في إعطاء المستحقين حقوقهم. ويجوز إرادة المصدر من الميزان كإرادة الوثوق من الميثاق والوعد من الميعاد، فإذن المراد من الميزان آلة الوزن.

(والوجه الثاني) إن" أن "مفسرة، والتقدير شرع العدل، أي لا تطغوا، فيكون وضع الميزان بمعنى شرع العدل، وإطلاق الوضع للشرع والميزان للعدل جائز، ويحتمل أن يقال: وضع الميزان أي الوزن.

وقوله: {ألا تطغوا في الميزان} على هذا الوجه، المراد منه الوزن، فكأنه نهى عن الطغيان في الوزن، والاتزان وإعادة الميزان بلفظه يدل على أن المراد منهما واحد، فكأنه قال: ألا تطغوا فيه، فإن قيل: لو كان المراد الوزن، لقال: ألا تطغوا في الوزن، نقول: لو قال في الوزن لظن أن النهي مختص بالوزن للغير لا بالاتزان للنفس، فذكر بلفظ الآلة التي تشتمل على الأخذ والإعطاء، وذلك لأن المعطي لو وزن ورجح رجحانا ظاهرا يكون قد أربى، ولاسيما في الصرف وبيع المثل.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم أمرنا سبحانه بأن نقيم ميزان العدالة {ألا تطغوا في الميزان} الطغيان هو مجاوزة الحد، أي: لا تتجاوزوا الحق إلى الباطل، إذن: الآيات تحدثنا عن منظومة كونية قامت على الحق وعلى نظام دقيق لا يشذ ولا يتخلف.

وميزان العدالة يحكم حركة الشمس والقمر كما يحكم حركة الإنسان، اقرأ: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)} [يس] فلم يطغ شيء على شيء، كذلك الإنسان.

{ألا تطغوا في الميزان} فالأجرام والأفلاك السماوية لما استقامت على ما خلقت عليه وعلى مراد الله منها استقامت حركتها في أداء مهمتها في الكون، فلم نر مثلا بين هذه الأجرام تصادما، كذلك أيها الإنسان إن أردت أن تستقيم حركة حياتك فسر فيها على هذا الميزان الذي وضعه الله لك.