معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ} (90)

قوله تعالى : { فتولوا عنه مدبرين } إلى عيدهم ، فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ} (90)

وتنتقل السورة للإِشارة إلى ما أضمره إبراهيم - عليه السلام - لتلك الآلهة الباطلة فتقول : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ . فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } .

قالوا : كان قوم إبراهيم يعظمون الكواكب ، ويعتقدون تأثيرها فى العالم . . وتصادف أن حل أوان عيد لهم . فدعوه إلى الخروج معهم كما هى عادتهم فى ذلك العبد .

فتطلع إلى السماء ، وقلب نظره فى نجومها ، ثم قال لهم معتذرا عن الخروج معهم - ليخلوا بالأصنام فيحطمها - : { إِنِّي سَقِيمٌ } أى مريض مرضا بمنعنى من مصاحبتكم . { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } أى : فتركوه وحده وانصرفوا إلى خارج بلدتهم .

قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : وإنما قال إبراهيم لقومه ذلك ليقيم فى البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم ، فإنه كان قد أزف خروجهم إلى عيد لهم ، فأحب أن يختلى بآلهتهم ليكسرها ، فقال لهم كلاما هو حق فى نفس الأمر فهموا منه أنه سقيم على ما يعتقدونه ، فتولوا عنه مدبرين .

قال قتادة : والعرب تقول لمن تفكر فى أمر : نظر فى النجوم ، يعنى قيادة : أنه نظر فى السماء متفكرا فيما يلهيهم به فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } أى : ضعيف .

وقول النبى صلى الله عليه وسلم " لم يكذب إبراهيم غير ثلاث كذبات : اثنتين فى ذات الله ، قوله { إِنِّي سَقِيمٌ } وقوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا } وقوله فى سارة " هى أختى " " .

ليس المراد بالكذب هنا الكذب الحقيقى الذى يذم فاعله ، حاشا وكلا ، وِإنما أطلق الكذب على هذا تجوزاً ، وإنما هو من المعارض فى الكلام لمقصد شرعى دينى ، كما جاء فى الحديث : " إن من المعاريض لمندوحة عن الكذب " .

وقيل قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } أى ، مريض القلب من عبادتكم للأوثان من دون الله - تعالى - . .

ويبدو لنا أى نظر إبراهيم - عليه السلام - فى النجوم ، إنما هو نظر المؤمن المتأمل فى ملكوت الله - تعالى - المستدل بذلك على وحدانية الله وقدرته ، وأنه إنما فعل ذلك أمامهم - وهم قوم يعظمون النجوم - ليقنعهم بصدق اعتذاره عن الخروج معهم ، ويتم له ما يريده من تحطيم الأصنام .

كما يبدو لنا أن قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } المقصود منه : إنى سقيم القلب بسبب ما أنتم فيه من كفر وضلال ، فإن العاقل يقلقه ويزعجه ويسقمه ما أنتم فيه من عكوف على عبادة الأصنام .

وقال لهم ذلك ليتركوه وشأنه ، حتى ينفذ ما أقسم عليه بالنسبة لتلك الأصنام .

فكلام إبراهيم حق فى نفس الأمر - كما قال الإِمام ابن كثير - وقد ترك لقومه أن يفهموه على حسب ما يعتقدون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ} (90)

{ فتولوا عنه مدبرين } هاربين مخافة العدوى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ} (90)

والتولي : الإِعراض والمفارقة .

لم ينطق إبراهيم فإن النجوم دلته على أنه سقيم ولكنه لما جعل قوله : { إني سقيمٌ } مقارناً لنظره في النجوم أوهم قومه أنه عرف ذلك من دلالة النجوم حسب أوهامهم .

و { مُدبرينَ } حال ، أي ولَّوه أدبارهم ، أي : ظهورهم . والمعنى : ذهبوا وخلفوه وراء ظهورهم بحيث لا ينظرونه . وقد قيل : إن { مُدْبرينَ } حال مؤكدة وهو من التوكيد الملازم لفعل التولي غالباً لدفع توهّم أنه تولّي مخالفة وكراهة دون انتقال .

وما وقع في التفاسير في معنى نظره في النجوم وفي تعيين سقمه المزعوم كلام لا يمتع بين موازين المفهوم ، وليس في الآية ما يدل على أن للنجوم دلالة على حدوث شيء من حوادث الأمم ولا الأشخاص ومن يزعم ذلك فقد ضلّ ديناً ، واختل نظراً وتخميناً . وقد دوّنوا كذباً كثِيراً في ذلك وسموه علم أحكام الفلك أو النجوم .

وقد ظهر من نظم الآية أن قوله : { إني سقيمٌ } لم يكن مرضاً ولذلك جاء الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثَ كَذَبات اثنتين منهن في ذات الله عزّ وجلّ " قوله : { إني سقيم } ، وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : 63 ] ، وبينَا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبّار من الجبابرة فسأله عن سارة فقال : « هي أختي » الحديث ، فورد عليه إشكال من نسبة الكذب إلى نبيء .

ودفع الإِشكال : أن تسمية هذا الكلام كذباً منظور فيه إلى ما يُفهمه أو يعطيه ظاهر الكلام وما هو بالكذب الصراح بل هو من المعاريض ، أي أني مثل السقيم في التخلف عن الخروج ، أو في التألم من كفرهم وأن قوله : « هي أختي » أراد أخوّةَ الإِيمان ، وأنه أراد التهكم في قوله : { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : 63 ] لظهور قرينة أن مراده التغليط .

وهذه الأجوبة لا تدفع إشكالاً يتوجه على تسمية النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام بأنه كذبات . وجوابه عندي : أنه لم يكن في لغة قوم إبراهيم التشبيه البليغ ، ولا المجازُ ، ولا التهكّم ، فكان ذلك عند قومه كذباً وأن الله أذِن له فعل ذلك وأعلمه بتأويله كما أذن لأيوب أن يأخذ ضغثاً من عِصيّ فيضرب به ضربةً واحدة ليُبرّ قسَمَه إذ لم تكن الكفارة مشروعة في دين أيوب عليه السلام .