الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ} (90)

" ف " لذلك " تولوا عنه مدبرين " أي فارين منه خوفا من العدوى . وروى الترمذي الحكيم قال : حدثنا أبي قال حدثنا عمرو بن حماد عن أسباط عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس ، وعن سمرة عن الهمداني عن ابن مسعود قال : قالوا لإبراهيم : إن لنا عيدا لو خرجت معنا لأعجبك ديننا . فلما كان يوم العيد خرجوا إليه وخرج معهم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه ، وقال إني سقيم أشتكي رجلي ، فوطئوا رجله وهو صريع ، فلما مضوا نادى في آخرهم " وتالله لأكيدن أصنامكم " [ الأنبياء : 57 ] . قال أبو عبد الله : وهذا ليس بمعارض لما قال ابن عباس وابن جبير ؛ لأنه يحتمل أن يكون قد اجتمع له أمران .

قلت : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام إلا ثلاث كذبات . . . ) الحديث . وقد مضى في سورة " الأنبياء " {[13269]} وهو يدل على أنه لم يكن سقيما وإنما عرض لهم . وقد قال جل وعز : " إنك ميت وإنهم ميتون " [ الزمر : 30 ] . فالمعنى إني سقيم فيما استقبل فتوهموا هم أنه سقيم الساعة . وهذا من معاريض الكلام على ما ذكرنا ، ومنه المثل السائر{[13270]} [ كفى بالسلامة داء ] وقول لبيد :

فدعوت ربي بالسلامة جاهدا *** ليُصِحَّنِي فإذا السَّلامَةُ داءُ

وقد مات رجل فجأة فالتف عليه الناس فقالوا : مات وهو صحيح ! فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقه ! فإبراهيم صادق ، لكن لما كان الأنبياء لقرب محلهم واصطفائهم عد هذا ذنبا ؛ ولهذا قال : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " [ الشعراء : 82 ] وقد مضى هذا كله مبينا والحمد لله{[13271]} . وقيل : أراد سقيم النفس لكفرهم . والنجوم يكون جمع نجم ويكون واحدا مصدرا .


[13269]:راجع ج 11 ص 300 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13270]:رواه الديلمي في مسند الفردوس حديثا عن ابن عباس بإسناد ضعيف.
[13271]:راجع ج 11 ص 300 و ج 13 ص 11 طبعة أولى أو ثانية.