بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ} (90)

ثم تفكر بالعين وبالقلب وذلك أنه رأى كوكباً قد طلع { فَقَالَ إِنّي سَقِيمٌ } أي : سأسقم . ويقال : مطعوناً . وهو قول سعيد بن جبير ، والضحاك . وقال القتبي : نظر في الحساب لأنه لو نظر إلى الكواكب لقال : نظر نظرة إلى النجوم . وإنما يقال : نظر فيه إذا نظر في الحساب . { فَقَالَ إِنّي سَقِيمٌ } أي : سأمرض غداً ، وكانوا يتطيرون من المريض فلما سمعوا ذلك منه هربوا ، فذلك قوله تعالى : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } . قال الفقيه أبو الليث رحمه الله حدّثنا الخليل بن أحمد قال : حدّثنا خزيمة قال : حدّثنا عيسى بن إبراهيم قال : حدّثنا ابن وهب عن جرير بن حازم ، عن أيوب السجستاني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمَ قَطُّ إلاَّ ثَلاثَ كَذِباتٍ ، ثِنْتَانِ فِي ذَاتِ الله قوله : { إِنّي سَقِيمٌ } وَقَوْلُهُ : { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : 63 ] وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَّةَ ، ذلك أنَّهُ قَدِمَ أرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَّةُ ، وَكَانَتْ أحْسَنَ النِّسَاءِ فَقَالَ لَهَا : إنَّ هذا الجَبَّارَ إنْ عَلِمَ أنَّكِ امْرَأَةٌ ، يَغْلِبنِي عَلَيْكِ . فَإنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أنَّكِ أُخْتِي فِي الإسْلامِ ، فإنِّي لا أعْلَمُ فِي الأرْضِ مُسْلِماً غَيْرِي وَغَيْرَكِ . فَلّمَا دَخَلَ الأرْضَ ، رَآهَا بَعْضُ أهْلِ الجَبَّارِ ، فأتَاهُ . فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ دَخَلَ الْيَوْمَ أرْضَكَ امْرَأَةٌ لا يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ إلاَّ لَكَ ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا . فَأُتِي بِهَا . فَقَامَ إبْرَاهِيمُ إلَى الصَّلاةِ ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أنْ بَسَطَ يَدَهُ إلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدَهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً . فَقَالَ لَهَا ادْعِي الله أنْ يُطْلِقَ يَدِي ، وَلا أضُرُّكِ . فَفَعَلَتْ . فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ أشَدَّ مِنَ القَبْضَةِ الأُولَى . فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَفَعَلَتْ . فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ أشَدَّ مِنَ القَبْضَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ ، فَقَالَ لَهَا : ادْعِي الله أنْ يُطْلِقَ يَدِي ، وَلَكِ عَلَيَّ ألاَّ أضُرُّكِ ، فَفَعَلَتْ ، فَأُطْلِقَتْ يَدُهُ . فَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ : إنَّكَ أتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ ، وَلَمْ تَأْتِنِي بإنْسَانٍ ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أرْضِي ، وَأعْطَاهَا هَاجَرَ ، فَأقْبَلَتْ تَمْشِي حَتَّى جَاءَتْ إلَى إبْرَاهِيمَ ، فَلَمَّا رَآهَا إبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ ، فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ يَعْنِي مَا الخَبَرُ ؟ فَقَالَتْ : خَيْراً كُفِيتُ الفَاجِرَ ، وأخْدَمَنِي خَادِماً » . فقال أبو هريرة : فتلك أمُّكم يا بني ماء السماء . يعني : نسل العرب منها . لأنه روي في الخبر أنها وهبت هاجر لإبراهيم ، فولد منها إسماعيل . ويقال : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } يعني : أعرضوا عنه ذاهبين إلى عيدهم .