قوله تعالى : { ما أريد منهم من رزق } أي : أن يرزقوا أحداً من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ، { وما أريد أن يطعمون } أي : أن يطعموا أحداً من خلقي ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ، لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه . كما جاء في الحديث " يقول الله : يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ، أي : فلم تطعم عبدي .
ثم بين - سبحانه - أنه غنى عن العالمين فقال : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } أى : ما أريد منهم منفعة أو رزقا كما يريد الناس بعضهم من بعض . . . وما أريد منهم طعاما ولا شرابا ، فأنا الذى أطِعم ولا أطَعم كما قال - سبحانه - : { قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السماوات والأرض وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } قال الآلوسى : والآية لبيان أن شأنه - تعالى - مع عباده ليس كشأن السادة مع عبيدهم ، لأنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم فى تحصيل معايشهم وأرزاقهم ، ومالك العبيد نفى أن يكون ملكه إياهم لذلك ، فكانه - سبحانه - يقول : ما أريد أن أستعين بهم ، كما يستعين ملاك العبيد بعبيدهم ، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتى .
{ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به ، والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم ، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم ، ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله : { قل لا أسألكم عليه أجرا } .
وقوله : { من رزق } أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم .
وقوله : { أن يطمعون } إما أن يكون المعنى أن يطمعوا خلقي فأضيف ذلك إلى الضمير على جهة التجوز ، وهذا قول ابن عباد . وإما أن يكون الإطعام هنا بمعنى النفع على العموم ، كما تقول : أعطيت فلاناً كذا وكذا طعمة ، وأنت قد أعطيته عرضاً أو بلداً يحييه ، ونحو هذا فكأنه قال : ولا أريد أن ينفعوني ، فذكر جزءاً من المنافع وجعله دالاً على الجميع .
جملة { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } تقرير لمعنى { إلا ليعبدون } بإبطال بعض العلل والغايات التي يقصدها الصانعون شيئاً يصنعونه أو يتخذونه ، فإن المعروف في العرف أن من يتخذ شيئاً إنما يتخذه لنفع نفسه ، وليست الجملة لإِفادة الجانب المقصور دُونَه بصيغة القصر لأن صيغة القصر لا تحتاج إلى ذكر الضد . ولا يَحسن ذكر الضد في الكلام البليغ .
فقوله : { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } كناية عن عدم الاحتياج إليهم لأن أشد الحاجات في العرف حاجة الناس إلى الطعام واللباس والسكن وإنما تحصل بالرزق وهو المال ، فلذلك ابتدىء به ثم عطف عليه الإِطعام ، أي إعطاء الطعام لأنه أشد ما يحتاج إليه البشر ، وقد لا يَجده صاحب المال إذا قحط الناس فيحتاج إلى من يسلفه الطعامَ أو يُطعمه إياه ، وفي هذا تعريض بأهل الشرك إذ يُهدون إلى الأصنام الأموال والطعام تتلقاه منهم سدنة الأصنام .
والرزق هنا : المال كقوله تعالى : { فابتغوا عند الله الرزق } [ العنكبوت : 17 ] وقوله : { اللَّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [ الرعد : 26 ] وقوله : { ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه اللَّه } [ الطلاق : 7 ] ، ويطلق الرزق على الطعام كقوله تعالى : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } [ مريم : 62 ] ويمنع من إرادته هنا عطف { وما أريد أن يطعمون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.