معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

قوله تعالى : { وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً } ، حين رموها بالزنا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

ثم سجل عليهم - خامسا وسادسا - جريميتين شنيعتين فقال : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } .

والمراد بالكفر هنا : كفرهم بعيسى - عليه السلام - وهو غير الكفر المذكور قبل ذلك فى قوله : { طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } لأن المراد به هنا مطلق الجحود الذى لا يجعل الشخص يستقر على شئ ، فهو إنكار مطلق للحق .

وقد أشار إلى هذا المعنى الآلوسى بقوله : وقوله : { بِكُفْرِهِمْ } عطف على { بِكُفْرِهِمْ } الذى قبله - وهو قوله - تعالى - { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } - ولا يتوهم أنه من عطف الشئ على نفسه ولا فائدة فيه ، لأن المراد بالكفر المعطوف : الكفر بعيسى . والمراد بالكفر المعطوف عليه : إما الكفر المطلق . أو الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ لاقترانه بقوله - تعالى - { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } . وقد حكى الله عنهم هذه المقالة فى مواجهتهم له - عليه الصلاة والسلام - فى مواضع . ففى العطف إيذان بصلاحية كل من الكفرين للسببية ويجوز ان يكون قوله : { بِكُفْرِهِمْ } معطوف على قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم } .

والبهتان : هو الكذب الشديد الذى لا تقبله العقول ، بل يحيرها ويدهشها لغرابته وبعده عن الحقيقة . يقال : بهت فلان فلانا ، إذا قال فيه قولا يدهشه ويحيره لغرابته وشناعته فى الكذب والافتراء .

والمعنى : إن من أسباب لعن اليهود وضرب الذلة والمسكنة عليهم ، كفرهم بعيسى - عليه السلام - ، وهو الرسول المبعوث إليهم ليهديهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم . وفتراؤهم الكذب على مريم أم عيسى ، ورميهم لها بما هى ريئة منه ، وغافلة عنه ، فقد اتهموها بالفاحشة لولادتها لعيسى من غير أب . وقد برأها الله - تعالى - مما نسبوه إليها . فى قوله - تعالى { وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القانتين } وقوله : { بُهْتَاناً } منصوب على أنه مفعول به لقوله - تعالى - { وَقَوْلِهِمْ } ، فإنه متضمن معنى كلام نحو : قلت خطبة وشعرا . ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أى : وبفكرهم وقولهم على مريم قولا بهتانا . أو هو مصدر فى موضع الحال أى : مباهتين . ووصفه بالعظم لشناعته وبلوغه النهاية فى الكذب والافتراء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " يعني أنهم رموها بالزنا " . وكذا قال السدي ، وجُوَيْبِر ، ومحمد بن إسحاق وغير واحد . وهو ظاهر من الآية : أنهم رموها وابنها بالعظائم ، فجعلوها زانية ، وقد حملت بولدها من ذلك - زاد بعضهم : وهي حائض - فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىَ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وبكفر هؤلاء الذين وصف صفتهم وَقَوْلِهمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتانا عَظِيما يعني : بفِريتهم عليها ، ورَمْيهم إياها بالزنا ، وهو البهتان العظيم لأنهم رموها بذلك وهي مما رموها به بغير ثبْت ولا برهان بريئة ، فبهتوها بالباطل من القول .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتانا عَظِيما يعني أنهم رموها بالزنا .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ : قوله : وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتانا عَظِيما حين قذفوها بالزنا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن جويبر في قوله : وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتانا عَظِيما قال : قالوا زنت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

ثم قال تعالى : { وبكفرهم } أي في أمر عيسى عليه السلام ، وقولهم على مريم بهتاناً ، يعني رميهم إياها بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد ، وإلا فلولا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من غير ذكر و «البهتان » : مصدر من قولك بهته إذا قابله بأمر مبهت يحار معه الذهن وهو رمي بباطل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

عُطف { وبكفرهم } مرّة ثانية على قوله : { فبما نقضهم } [ النساء : 155 ] ولم يُستغن عنه بقوله : { وكفرِهم بآيات الله } [ النساء : 155 ] وأعيد مع ذلك حرف الجرّ الذي يغني عنه حرفُ العطف قصداً للتأكيد ، واعتبر العطف لأجل بُعْد ما بيّن اللفظين ، ولأنَّه في مقام التهويل لأمر الكفر ، فالمتكلّم يذكره ويُعيده : يتثبّت ويُرى أنّه لا ريبة في إناطة الحكم به ، ونظير هذا التكرير قول لبيد :

فتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظلالُه *** كدُخان مُشْعَلَة يُشَبُّ ضِرامُها

مَشْمُولة غُلِثَتْ بنابت عرفج *** كَدُخَان نار سَاطِع أسْنَامُها

فأعاد التشبيه بقوله : ( كدُخان نَار ) ليحقّق معنى التشبيه الأوّل . وفي « الكشاف » « تكرّر الكفر منهم لأنّهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلوات الله عليهم فعطف بعض كفرهم على بعض » ، أي فالكفر الثاني اعتبر مخالفاً للذي قبله باعتبار عطف قوله : { وقولهم على مريم بهتاناً } . ونظيره قول عويف القوافي :

اللؤم أكرمُ من وَبْر ووالدِه *** واللؤمُ أكرم من وَبْرٍ وما ولدا

إذْ عطف قوله : ( واللؤم أكرم من وبر ) باعتبار أنّ الثاني قد عطف عليه قولُه : ( وما ولدا ) .

والبهتان مصدر بَهَتَه إذا أتاه بقول أو عمل لا يترقّبه ولا يجد له جوابا ، والذي يتعمّد ذلك بَهُوت ، وجمعه : بُهُت وبُهْت . وقد زيّن اليهود ما شاءوا في الإفك على مريم عليها السلام .