الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

قوله تعالى : { وَبِكُفْرِهِمْ } : فيه وجهان ، أحدُهما : أنه معطوف على " ما " في قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ } فيكونُ متعلقاً بما تعلق به الأول . الثاني : أنه عطفٌ على " بكفرهم " الذي بعد " طبع " وقد أوضح الزمخشري ذلك غايةَ الإِيضاح ، واعترض وأجابَ بأحسنِ جواب ، فقال : " فإنْ قلت : علامَ عَطَفَ قولَه " وبكفرهم " ؟ قلت : الوجهُ أن يُعْطَفَ على " فبما نقضِهم " ويُجْعَلَ قولُه : " { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } كلاماً يَتْبع قوله : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } على وجهِ الاستطراد ، ويجوز عطفُه على ما يله من قوله " بكفرِهم " فإنْ قلت : فما معنى المجيءِ بالكفر معطوفاً على ما فيه ذِكْرُه ؟ سواءً عطف على ما قبل الإِضراب ، أو على ما بعده ، وهو قوله : { وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ } وقوله " بكفرهم " قلت : قد تكرر منهم الكفر ؛ لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمدٍ ، فعطف بعضَ كفرِهم على بعض ، أو عَطَف مجموعَ المطعوفِ على مجموعِ المعطوف عليه ، كأنه قيل : فبجمعهم بين نقضِ الميثاقِ ، والكفر بآيات الله ، وقتلِ الأنبياء ، وقولِهم : قلوبنا غلف ، وجمعِهم بين كفرهم وبُهْتِهِم مريمَ وافتخارِهم بقتل عيسى عاقبناهم ، أو بل طبع الله عليها بكفرِهم وجمعِهم بين كفرهم كذا وكذا " .

قوله : { بُهْتَاناً } في نصبِه خمسةُ أوجه ، أظهرُها : أنه مفعول به ، فإنه مُضَمَّنٌ معنى " كلام " نحو : قلت خطبة وشعراً . الثاني : أنه منصوبٌ على نوع المصدر كقولهم : " قَعَد القرفصاء " يعني أن القول يكون بُهتاناً وغيرَ بهتان . الثالث : أن ينتصبَ نعتاً لمصدر محذوف أي : قولاً بُهتاناً ، وهو قريبُ من معنى الأول الرابع : أنه منصوبٌ بفعل مقدرٍ من لفظه أي : بَهَتوا بُهْتاناً . الخامس : أنه حال من الضمير المجرور في قولهم أي : مباهتين ، وجازَ مجيء الحال من المضاف إليه لأنه فاعل معنًى ، والتقدير : وبأن قالوا ذلك مباهتين .