اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡيَمَ بُهۡتَٰنًا عَظِيمٗا} (156)

قوله : [ { وَبِكُفْرِهِمْ وَقولِهِمْ عَلَى مَرْيم } ] " بُهْتَاناً [ عظيماً ] " في نصب [ " بُهْتَاناً " ] خمسةُ أوجه :

أظهرُها : أنه مفعولٌ به ؛ فإنه مُضَمَّنٌ معنى " كَلاَم " ؛ نحو : قُلْتُ خُطْبَةٌ وشِعْراً .

الثاني : أنه منصوبٌ على نوع المصدر ، كقولهم : " قَعَدَ القُرْفُصَاءَ " يعني : أن القول يكون بُهتاناً وغير بهتان .

الثالث : أن ينتصبَ نعتاً لمصدر محذوف ، أي : قولاً بُهْتَاناً ، وهو قريبٌ من معنى الأول .

الرابع : أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ من لفظه ، أي : بَهَتُوا بُهْتَاناً .

الخامس : أنه حال من الضميرِ المجْرور في قولهم ، أي : مُبَاهِتينَ ، وجازَ مجيءُ الحال من المضاف إليه ؛ لأنه فاعلٌ معنًى ، والتقديرُ : وبأن قالوا ذلك مباهتين .

فصل في المقصود بالبهتان

والمراد بالبُهْتَانِ : أنَّهُم رموا مَرْيَم بالزِّنَا ، لأنَّهم أنكَرُوا قُدْرَة الله - تعالى - على خَلْقِ الوَلَدِ من غير أبٍ ، ومُنْكِرُ قُدْرَةِ الله على ذلك كَافِرٌ ؛ لأنه يَلْزَمُ أن يقُول : كُلُّ ولَدٍ مَسْبُوقٍ بوَالِدٍ لا إلى أوَّل ، وذَلِك يُوجِبُ القَوْل بِقِدَم العَالَمِ والدَّهْرِ ، والقَدْحُ في وجُود الصَّانِعِ المُخْتَار ، فالقَوْمُ أولاً أنكَرُوا قُدْرَة الله - تعالى - علَى خَلْقِ الوَلَدِ من غَيْر أبٍ ، وثانياً : نَسَبُوا مَرْيَم إلى الزِّنَا .

فالمراد بقوله : " وَبِكُفْرِهِم " هو إنْكَارُهُم قُدْرَة الله - تعالى - ، وبقوله : { وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } نِسْبَتُهُم إيّاهَا إلى الزِّنَا ، ولمَّا حَصَل التغَيُّر{[10269]} حسن العَطْف ، وإنما صار هذا الطَّعْنُ بُهْتاناً عَظِيماً ؛ لأنه ظَهَر عند ولادَةَ عِيسَى - عليه السلام{[10270]} - [ من ]{[10271]} الكَرَامَاتِ والمُعْجِزَاتِ ، ما دَلَّ على بَرَاءَتِها{[10272]} من كُلِّ عَيْبٍ ، نحو قوله : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا } [ مريم : 25 ] وكلام عيسى – [ عليه السلام ]{[10273]} – طفْلاً مُنْفصِلاً عن أمِّهِ ، فإنَّ كُلَّ ذلك دَلاَئِل قاطِعَةٌ على بَراءة مَرْيَم - [ عليها السلام ]{[10274]} - من كل رِيبَةٍ ، فلا جَرَم وَصَف اللَّهُ - [ تعالى ]{[10275]} - [ طَعْنَ ]{[10276]} اليهُود فيها بأنَّهُ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ .

واعلم أنَّه لما وَصَفَ طَعْن اليَهُود في مَرْيم بأنَّه بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، ووصَفَ طَعْن المُنَافِقِين في عَائِشَةَ بأنَّهُ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، حَيْثُ قال : { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] ؛ دلَّ ذلك على أنَّ الرَّوَافِضَ الَّذِين يَطْعَنُون في عَائِشَةَ ، بمَنْزِلَة اليَهُودِ الَّذِين يَطْعَنُون في مَرْيم – عليها السلام - .


[10269]:في ب: التغاير.
[10270]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[10271]:سقط في ب.
[10272]:في أ: برائها.
[10273]:سقط في أ.
[10274]:سقط في أ.
[10275]:سقط في ب.
[10276]:سقط في أ.