قوله : [ { وَبِكُفْرِهِمْ وَقولِهِمْ عَلَى مَرْيم } ] " بُهْتَاناً [ عظيماً ] " في نصب [ " بُهْتَاناً " ] خمسةُ أوجه :
أظهرُها : أنه مفعولٌ به ؛ فإنه مُضَمَّنٌ معنى " كَلاَم " ؛ نحو : قُلْتُ خُطْبَةٌ وشِعْراً .
الثاني : أنه منصوبٌ على نوع المصدر ، كقولهم : " قَعَدَ القُرْفُصَاءَ " يعني : أن القول يكون بُهتاناً وغير بهتان .
الثالث : أن ينتصبَ نعتاً لمصدر محذوف ، أي : قولاً بُهْتَاناً ، وهو قريبٌ من معنى الأول .
الرابع : أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ من لفظه ، أي : بَهَتُوا بُهْتَاناً .
الخامس : أنه حال من الضميرِ المجْرور في قولهم ، أي : مُبَاهِتينَ ، وجازَ مجيءُ الحال من المضاف إليه ؛ لأنه فاعلٌ معنًى ، والتقديرُ : وبأن قالوا ذلك مباهتين .
والمراد بالبُهْتَانِ : أنَّهُم رموا مَرْيَم بالزِّنَا ، لأنَّهم أنكَرُوا قُدْرَة الله - تعالى - على خَلْقِ الوَلَدِ من غير أبٍ ، ومُنْكِرُ قُدْرَةِ الله على ذلك كَافِرٌ ؛ لأنه يَلْزَمُ أن يقُول : كُلُّ ولَدٍ مَسْبُوقٍ بوَالِدٍ لا إلى أوَّل ، وذَلِك يُوجِبُ القَوْل بِقِدَم العَالَمِ والدَّهْرِ ، والقَدْحُ في وجُود الصَّانِعِ المُخْتَار ، فالقَوْمُ أولاً أنكَرُوا قُدْرَة الله - تعالى - علَى خَلْقِ الوَلَدِ من غَيْر أبٍ ، وثانياً : نَسَبُوا مَرْيَم إلى الزِّنَا .
فالمراد بقوله : " وَبِكُفْرِهِم " هو إنْكَارُهُم قُدْرَة الله - تعالى - ، وبقوله : { وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } نِسْبَتُهُم إيّاهَا إلى الزِّنَا ، ولمَّا حَصَل التغَيُّر{[10269]} حسن العَطْف ، وإنما صار هذا الطَّعْنُ بُهْتاناً عَظِيماً ؛ لأنه ظَهَر عند ولادَةَ عِيسَى - عليه السلام{[10270]} - [ من ]{[10271]} الكَرَامَاتِ والمُعْجِزَاتِ ، ما دَلَّ على بَرَاءَتِها{[10272]} من كُلِّ عَيْبٍ ، نحو قوله : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا } [ مريم : 25 ] وكلام عيسى – [ عليه السلام ]{[10273]} – طفْلاً مُنْفصِلاً عن أمِّهِ ، فإنَّ كُلَّ ذلك دَلاَئِل قاطِعَةٌ على بَراءة مَرْيَم - [ عليها السلام ]{[10274]} - من كل رِيبَةٍ ، فلا جَرَم وَصَف اللَّهُ - [ تعالى ]{[10275]} - [ طَعْنَ ]{[10276]} اليهُود فيها بأنَّهُ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ .
واعلم أنَّه لما وَصَفَ طَعْن اليَهُود في مَرْيم بأنَّه بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، ووصَفَ طَعْن المُنَافِقِين في عَائِشَةَ بأنَّهُ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، حَيْثُ قال : { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] ؛ دلَّ ذلك على أنَّ الرَّوَافِضَ الَّذِين يَطْعَنُون في عَائِشَةَ ، بمَنْزِلَة اليَهُودِ الَّذِين يَطْعَنُون في مَرْيم – عليها السلام - .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.