معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

قوله تعالى : { فذلكم الله ربكم } ، الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ، { الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } ؟ أي : فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به ؟

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

ثم أرشدهم - سبحانه - إلى الطريق القويم لو كانوا يعقلون فقال : { فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الحق .

. . }

أى : فذلكم الذي فعل ما فعل من رزقكم ومن تدبير أمركم ، هو الله المربي لكم بنعمه ، وهو الذي لا تحق العبودية والألوهية إلا له وحده .

إذا كان الأمر كذلك { فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال } أي لا يوجد غير الحق شيء يتبع سوى الضلال ، فمن ترك الحق وهو عبادة الله وحده ، فقد وقع في الباطل والضلال وهو عبادة غيره من الآلهة الأخرى .

قال القرطبي : " ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل قال : " اللهم لك الحمد " الحديث ، وفى ه : أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك الحق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق . . . " .

فقوله : أنت الحق ، أي الواجب الوجود ، وأصله من حق الشيء إذا ثبت ووجب - وهذا الوصف لله - تعالى - بالحقيقة ، إذ وجوده بنفسه لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم ، وما عداه مما يقال عليه هذا الاسم مسبوق بعدم ، ويجوز عليه لحاق العدم ، ووجوده من موجده لا من نفسه .

ومقابلة الحق بالضلال عرف لغة وشرعاً كما في هذه الآية . . والضلال حقيقته الذهاب عن الحق مأخذو من ضلال الطريق ، وهو العدول عن سمته ، يقال : " ضل الطريق وأضل الشيء إذا أضاعه . . "

وقوله : { فأنى تُصْرَفُونَ } أى : فكيف تصرفون وتتحولون عن الحق إلى الضلال ، بعد اعترافكم وإقراركم بأن خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم هو الله - تعالى - وحده .

فأني هنا بمعنى كيف ، والاستفهام لإِنكار واقعهم المخزي واستبعاده والتعجب منه .

ومن الأحكام التي تؤخذ من هذه الآية الكريمة : أن الحق والباطل ، والهدى والضلال ، نقيضان لا يجتمعان ، لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين في وقت واحد متى ثبت أن أحدهما هو الحق ، وجب أن يكون الآخر هو الباطل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

وقوله : { فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ، { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ } أي : فكل معبود سواه باطل ، لا إله إلا هو ، واحد{[14219]} لا شريك له .

{ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } {[14220]} أي : فكيف تصرفون{[14221]} عن عبادته إلى عبادة ما سواه ، وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء ، والمتصرف في كل شيء ؟


[14219]:- في ت ، أ : "لا إله إلا هو لأن الإله واحد".
[14220]:- في ت : "يصرفون".
[14221]:- في ت : "يصرفون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمُ الْحَقّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاّ الضّلاَلُ فَأَنّىَ تُصْرَفُونَ } .

يقول تعالى ذكره لخلقه : أيها الناس ، فهذا الذي يفعل هذه الأفعال ، فيرزقكم من السماء والأرض ويملك السمع والأبصار ، ويخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، ويدبّر الأمر اللّهُ رَبّكُمُ الحَقّ لا شكّ فيه . فَمَاذا بَعْدَ الحَقّ إلاّ الضّلالُ يقول : فأيّ شيء سوى الحقّ إلا الضلال وهو الجور عن قصد السبيل . يقول : فإذا كان الحقّ هو ذا ، فادّعاؤكم غيره إلها ورَبّا هو الضلال والذهاب عن الحقّ لا شكّ فيه . فَأنّىَ تُصْرَفُونَ يقول : فأيّ وجه عن الهدى والحقّ تصرفون وسواهما تسلكون وأنتم مقرّون بأن الذي تصرفون عنه هو الحقّ .