واللام فى قوله - تعالى - { لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } متعلقة بقوله { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } وهى للتعليل ولبيان الحكمة فى إتيانها .
أى : لتأتينكم الساعة أيها الكافرون ، والحكمة فى ذلك ليجزى - سبحانه - الذى آمنوا وعملوا الصالحات الجزاء الحسن الذى يستحقونه .
{ أولئك } الموصوفون بصفتى الإِيمان والعمل الصالح { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } عظيمة من ربهم لذنوبهم { وَ } لهم كذلك { رِزْقٌ كَرِيمٌ } تنشرح له صدورهم ، وتقرّ به عيونهم .
( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات . أولئك لهم مغفرة ورزق كريم . والذين سعوا في آياتنا معاجزين ، أولئك لهم عذاب من رجز أليم ) . .
فهناك حكمة وقصد وتدبير . وهناك تقدير في الخلق لتحقيق الجزاء الحق للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وللذين سعوا في آيات الله معاجزين . .
فأما الذين آمنوا وحققوا إيمانهم بالعمل الصالح فلهم( مغفرة )لما يقع منهم من خطايا ولهم ( رزق كريم )والرزق يجيء ذكره كثيراً في هذه السورة ، فناسب أن يعبر عن نعيم الآخرة بهذا الوصف ، وهو رزق من رزق الله على كل حال .
لام التعليل تتعلق بفعل { لتأتينكم } [ سبأ : 3 ] دون تقييد الإِتيان بخصوص المخاطبين بل المراد من شملهم وغيرهم لأن جزاء الذين آمنوا لا علاقة له بالمخاطبين فكأنه قيل : لتأتين الساعة ليجزَى الذين آمنوا ويجزَى الذين سعوا في آياتنا معاجزين ، وهم المخاطبون ، وضمير « يجزي » عائد إلى { عالمُ الغيب } [ سبأ : 3 ] .
والمعنى : أن الحكمة في إيجاد الساعة للبعث والحشر هي جزاء الصالحين على صلاح اعتقادهم وأعمالهم ، أي جزاءً صالحاً مماثلاً ، وجزاء المفسدين جزاء سيئاً ، وعُلم نوع الجزاء من وصف الفريقين من أصحابه .
والإِتيان باسم الإِشارة لكل فريق للتنبيه على أن المشار إليه جدير بما سيرد بعد اسم الإِشارة من الحكم لأجْل ما قبل اسم الإِشارة من الأوصاف .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{الذين آمنوا} صدقوا {وعملوا الصالحات} بالقسط بالعدل.
{أولئك لهم مغفرة} لذنوبهم {ورزق كريم} حسنا في الجنة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في الكتاب المبين، كي يثيب الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله ورسوله به، وانتهوا عما نهاهم عنه على طاعتهم ربهم "أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ "يقول جلّ ثناؤه: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، مغفرة مِن رَبهم لذنوبهم "وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" يقول: وعيش هنيء يوم القيامة في الجنة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
المغفرة هي التغطية والسّتر، ثم يكون السّتر بوجهين: أحدهما: يستُر على المؤمن الزّلات نفسها ألا تُذكر.
والثاني: يستر بالجزاء الحسن إذا لم يُجز الزّلات.
{ورزق كريم}...جائز أن يكون سماه كريما لأن من ناله له كرم وشرف كقوله: {أولئك في جنات مكرمون} [المعارج: 35].
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المحسنون منهم يجازيهم بالخيرات المتصلة، والكافرون منهم يكافئهم على كفرهم بالعقوبات غيرَ منفصلة.
ذكر فيهم أمرين؛ الإيمان والعمل الصالح، وذكر لهم أمرين المغفرة والرزق الكريم، فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له ويدل عليه قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، والرزق الكريم من العمل الصالح وهو مناسب، ووصف الرزق بالكريم بمعنى ذي كرم أو مكرم أو لأنه يأتي من غير طلب، بخلاف رزق الدنيا، فإنه ما لم يطلب ويتسبب فيه لا يأتي، وفي التفسير مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {أولئك لهم مغفرة ورزق كريم} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون لهم ذلك جزاء فيوصله إليهم لقوله: {ليجزي الذين ءامنوا}، وثانيهما: أن يكون ذلك لهم والله يجزيهم بشيء آخر لأن قوله: {أولئك لهم} جملة تامة إسمية، وقوله تعالى: {ليجزي الذين آمنوا} جملة فعلية مستقلة، وهذا أبلغ في البشارة من قول القائل. ليجزي الذين آمنوا رزقا.
المسألة الثانية: اللام في ليجزي للتعليل، معناه الآخرة للجزاء، فإن قال قائل: فما وجه المناسبة؟ فنقول: الله تعالى أراد أن لا ينقطع ثوابه فجعل للمكلف دارا باقية ليكون ثوابه واصلا إليه دائما أبدا، وجعل قبلها دارا فيها الآلام والأسقام وفيها الموت ليعلم المكلف مقدار ما يكون فيه في الآخرة إذا نسبه إلى ما قبلها وإذا نظر إليه في نفسه.
المسألة الثالثة: ميز الرزق بالوصف بقوله كريم، ولم يصف المغفرة واحدة هي للمؤمنين، والرزق منه شجرة الزقوم والحميم، ومنه الفواكه والشراب الطهور، فميز الرزق لحصول الانقسام فيه، ولم يميز المغفرة لعدم الانقسام فيها.
مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :
"أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ" لما قصروا فيه من مدارج الإيمان {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} لما صبروا عليه من مناهج الإحسان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أولئك} أي العالو الرتبة {لهم مغفرة} أي لزلاتهم أو هفواتهم لأن الإنسان المبني على النقصان لا يقدر أن يقدر العظيم السلطان حق قدره.
{ورزق كريم} أي جليل عزيز دائم لذيذ نافع شهي، لا كدر فيه بوجه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات. أولئك لهم مغفرة ورزق كريم. والذين سعوا في آياتنا معاجزين، أولئك لهم عذاب من رجز أليم)..
فهناك حكمة وقصد وتدبير. وهناك تقدير في الخلق لتحقيق الجزاء الحق للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وللذين سعوا في آيات الله معاجزين..
فأما الذين آمنوا وحققوا إيمانهم بالعمل الصالح فلهم (مغفرة) لما يقع منهم من خطايا ولهم (رزق كريم) والرزق يجيء ذكره كثيراً في هذه السورة، فناسب أن يعبر عن نعيم الآخرة بهذا الوصف، وهو رزق من رزق الله على كل حال.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لام التعليل تتعلق بفعل {لتأتينكم} [سبأ: 3] دون تقييد الإِتيان بخصوص المخاطبين بل المراد من شملهم وغيرهم لأن جزاء الذين آمنوا لا علاقة له بالمخاطبين فكأنه قيل: لتأتين الساعة ليجزَي الذين آمنوا ويجزَى الذين سعوا في آياتنا معاجزين، وهم المخاطبون، وضمير « يجزي» عائد إلى {عالمُ الغيب} [سبأ: 3].
والمعنى: أن الحكمة في إيجاد الساعة للبعث والحشر هي جزاء الصالحين على صلاح اعتقادهم وأعمالهم، أي جزاءً صالحاً مماثلاً، وجزاء المفسدين جزاء سيئاً، وعُلم نوع الجزاء من وصف الفريقين من أصحابه.
والإِتيان باسم الإِشارة لكل فريق للتنبيه على أن المشار إليه جدير بما سيرد بعد اسم الإِشارة من الحكم لأجْل ما قبل اسم الإِشارة من الأوصاف.
عجيب أنْ يُوصف الرزق ذاته بأنه كريم، فالكريم صفة الرازق الذي يهبُكَ الرزق، فما بالك إنْ كان الرزق نفسه كريماً يذهب إليك ويعرف مكانك...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
تقديم «المغفرة» على «الرزق الكريم» ربّما كان سببه: أنّ أشدّ ما يقلق المؤمنين هو الذنوب التي ارتكبوها، لذا فإنّ الآية تطمئنهم بعرض المغفرة عليهم أوّلا، فضلا عن أنّ من لم يغتسل بماء المغفرة الإلهية لن يكون أهلا (للرزق الكريم) والمقام الكريم! (الرزق الكريم) يشمل كلّ رزق ذي قيمة، ومفهوم ذلك واسع إلى درجة أنّه يشمل كلّ المواهب والعطايا الإلهية، ومنها ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وبتعبير آخر فإنّ «الجنّة» بكلّ نعمها المعنوية والماديّة جمعت في هذه الكلمة.