ثم بين - سبحانه - سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل ، فقال - تعالى - :
{ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الذين فسقوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
والكاف للتشبيه بمعنى مثل . وحقت بمعنى وجبت وثبتت .
والمراد بالكلمة هنا : حكمه وقضاؤه - سبحانه - .
والمعنى : مثل ما ثبت أن الله - تعالى - هو الرب الحق ، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال ، ثبت - أيضا - الحكم والقضاء منه - سبحانه - على الذين فسقوا عن أمره ، وعموا وصموا عن الحق ، أنهم لا يؤمنون به ، لأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا .
فالمراد بالفسق هنا : التمرد في الكفر ، والسير فيه إلى أقصى حدوده .
بمثل هذا الانصراف عن الحق الواضح الذي يعترف المشركون بمقدماته وينكرون نتائجه اللازمة ، ولا يقومون بمقتضياته الواجبة ، قدر الله في سننه ونواميسه أن الذين يفسقون وينحرفون عن منطق الفطرة السليم وسنة الخلق الماضية لا يؤمنون :
( كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ) . .
لا لأنه يمنعهم من الإيمان . فهذه دلائله قائمة في الكون ، وهذه مقدماته قائمة في اعتقادهم . ولكن لأنهم هم يحيدون عن طريق الموصل إلى الإيمان ، ويجحدون المقدمات التي في أيديهم ، ويصرفون أنفسهم عن الدلائل المشهودة لهم ، ويعطلون منطق الفطرة القويم فيهم .
وقوله : { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } أي : كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره ، مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق المتصرف في الملك وحده ، الذي بعث رسله بتوحيده ؛ فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار ، كقوله : { قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [ الزمر : 71 ] .
{ كذلك حقّت كلمة ربك } أي كما حقت الربوبية لله أو أن الحق بعده الضلال ، أو أنهم مصروفون عن الحق كذلك حقت كلمة الله وحكمه . وقرأ نافع وابن عامر " كلمات " هنا وفي آخر السورة وفي " غافر " { على الذين فسقوا } تمردوا في كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح . { أنهم لا يؤمنون } بدل من الكلمة ، أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.