اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوٓاْ أَنَّهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (33)

قوله : " كَذَلِكَ حَقَّتْ " : الكافُ في محلِّ نصبٍ ، نعتاً لمصدرٍ محذوف ، والإشارةُ بذلك إلى المصدر المفهوم من " تُصْرَفُون " ، أي : مثل صَرْفِهم عن الحقِّ ، بعد الإقرار به ، في قوله - تعالى - : { فَسَيَقُولُونَ الله } ، وقيل إشارةٌ إلى الحقِّ . قال الزمخشري : " كذلك : مثل ذلك الحقِّ حقَّت كلمةُ ربِّك " . قوله : { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } فيه أربعة أ وجه :

أحدها : أنَّها في محلِّ رفع ؛ بدلاً من " كَلِمةُ " ، أي : حقَّ عليهم انتفاءُ الإيمان .

الثاني : أنَّها في محلِّ رفعٍ ، خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : الأمر عدمُ إيمانهم .

الثالث : أنَّها في محلِّ نصب ، بعد إسقاطِ الحرف الجارِّ .

الرابع : أنَّها في محلِّ جرٍّ ، على إعماله محذوفاً ، إذ الأصل : لأنَّهم لا يُؤمِنُون .

قال الزمخشري : " أو أراد بالكلمة ، العِدَة بالعذاب ، و{ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } تعليلٌ ، أي : لأنَّهم " ، وهذا إنباء على مذهبهم . وقرأ أبو عمرو{[18448]} ، وابن كثير ، والكوفيون : " كَلِمَات " بالجمع ، وكذا في آخر السورة [ يونس : 96 ] ، وتقدَّم ذلك في الأنعام ، وقرأ ابنُ أبي عبلة{[18449]} : " إَِنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ " بكسر " إنَّ " على الاستئناف ، وفيها معنى التَّعليل ، وهذا يُقَوِّي الوجه الصَّائر إلى التَّعليل .

فصل

احتجَّ أهل السنة بهذه الآية : على أنَّ الكفر بقضاء الله ، وإرادته ، لأنه - تعالى - أخبر عنهم قطعاً أنَّهم لا يؤمنون ، فلو آمنوا ، لكان إمَّا أن يبقى ذلك الخبر صدقاً ، أو لا ، والأوَّل باطلٍ ؛ لأنَّ الخبر بأنَّه لا يؤمن ، يمتنع أن يبقى صدقاً حال ما يُوجد الإيمان . والثاني باطلٌ ؛ لأنَّ انقلاب خبر الله - تعالى - كذباً محالٌ ، فثبت أنَّ صدور الإيمان منهم محالٌ ، والمحالُ لا يكون مراداً ، فثبت أنَّه - تعالى - ما أراد الإيمان من هذا الكافر ، وأنَّه أرادَ الكُفْر منه .

ثم نقول إن كان قوله : { فأنى تُصْرَفُونَ } يدلُّ على صحَّة مذهب القدريَّة ، فهذه الآيةُ الموضوعة بجنبه تدلُّ على فساده ، وقد كان الواجبُ على الجُبَّائيِّ مع قوة خاطره ، حين استدلَّ بتلك الآية على صحَّة قوله ، أن يذكُر هذه الحجَّة ، ويجيب عنها حتى يحصل مقصوده ، والمراد ب " الكلمة " : حكمةُ السَّابق على الذينَ فَسَقُوا ، أي : كفرُوا .


[18448]:ينظر: السبعة ص (326)، الحجة 4/272-273، حجة القراءات ص (331)، إعراب القراءات 1/267، إتحاف 2/109.
[18449]:ينظر: المحرر الوجيز 3/118، البحر المحيط 5/156، الدر المصون 4/30.