ثم مدح - سبحانه - أصحاب هذه العقول السليمة ، بجملة من الخصال الكريمة فقال : { الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق } .
وعهد الله : فرائضه وأوامره ونواهيه . والوفاء بها : يتأتى باتباع ما أمر به - سبحانه - باجتناب ما نهى عنه .
وينقضون : من النقض ، بمعنى الفسخ والحل لما كان مركبا أو موصولا .
والميثاق : العهد الموثق باليمين ، للتقوية والتأكيد .
أى : إنما يتذكر أولوا الألباب ، الذين من صفاتهم أنهم يوقنون بعهد الله - تعالى - ، بأن يؤدوا كل ما كلفهم بأدائه ، ويجتنبوا كل ما أمرهم باجتنابه ولا ينقضون شيئا من العهود والمواثيق التي التزموا بها . وصدر - سبحانه - صفات أولى الألباب ، بصفة الوفاء بعهد الله ، وعدم النقض للمواثيق ، لأن هذه الصفة تدل على كمال الإِيمان ، وصدق العزيمة ، وصفاء النفس .
وأضاف - سبحانه - العهد إلى ذاته ، للتشريف وللتحريض على الوفاء به .
وجملة { وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق } تعميم بعد تخصيص ، لتشمل عهودهم مع الله - تعالى - ومع غيره من عباده .
وهذه صفات أولي الألباب هؤلاء :
( الذين يوفون بعهد الله ، ولا ينقضون الميثاق ) . .
وعهد الله مطلق يشمل كل عهد ، وميثاق الله مطلق يشمل كل ميثاق . والعهد الأكبر الذي تقوم عليه العهود كلها هو عهد الإيمان ؛ والميثاق الأكبر الذي تتجمع عليه المواثيق كلها هو ميثاق الوفاء بمقتضيات هذا الإيمان .
وعهدالإيمان قديم وجديد . قديم مع الفطرة البشرية المتصلة بناموس الوجود كله ؛ المدركة إدراكا مباشرا لوحدة الإرادة التي صدر عنها الوجود ، ووحدة الخالق صاحب الإرادة ، وأنه وحده المعبود . وهو الميثاق المأخوذ على الذرية في ظهور بني آدم فيما ارتضيناه لها من تفسير . . ثم هو جديد مع الرسل الذين بعثهم الله لا لينشئوا عهد الإيمان ولكن ليجددوه ويذكروا به ويفصلوه ، ويبينوا مقتضياته من الدينونة لله وحده والانخلاع من الدينونة لسواه ، مع العمل الصالح والسلوك القويم ، والتوجه به إلى الله وحده صاحب الميثاق القديم . .
ثم تترتب على العهد الإلهي والميثاق الرباني كل العهود والمواثيق مع البشر . سواء مع الرسول أو مع الناس . ذوي قرابة أو أجانب . أفرادا أم جماعات . فالذي يرعى العهد الأول يرعى سائر العهود ، لأن رعايتها فريضة ؛ والذي ينهض بتكاليف الميثاق الأول يؤدي كل ما هو مطلوب منه للناس ، لأن هذا داخل في تكاليف الميثاق .
فهي القاعدة الضخمة الأولى التي يقوم عليها بنيان الحياة كله . يقررها في كلمات .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }
يقول تعالى ذكره : إنما يتعظ ويعتبر بآيات الله أولو الألباب الذين يوفون بوصية الله التي أوصاهم . ولا ينقضُونَ الميثاقَ ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله عليه إلى خلافه ، فيعملوا بغير ما أمرهم به ويخالفوا إلى ما نهى عنه . وقد بيّنا معنى العهد والميثاق فيما مضى بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : إنّمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبابِ فبين من هم ، فقال : الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلا يَنْقُضُونَ المِيثاقَ فعليكم بوفاء العهد ، ولا تنقضوا هذا الميثاق ، فإن الله تعالى قد نهى وقدّم فيه أشدّ التقدمة ، فذكره في بضع وعشرين موضعا ، نصيحة لكم وتقدمة إليكم وحُجّة عليكم ، وإنما يعظم الأمر بما عظّمه الله به عند أهل الفهم والعقل ، فعظّموا ما عظم الله قال قتادة : وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : «لا إيمَانَ لِمَنْ لا أمانَةَ لَهُ ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.