روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَٰقَ} (20)

{ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله } بما عقدوا على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته تعالى حين قالوا : بلى ، أو بما عهد الله تعالى عليهم في كتبه من الأحكام فالمراد به ما يشمل جميع الأمم ، وإضافة العهد إلى الاسم الجليل من باب إضافة المصدر إلى مفعوله على الوجه الأول ومن باب إضافة المصدر إلى الفاعل على الثاني ، وإذا أريد بالعهد ما عقده الله تعالى عليهم يوم قال سبحانه : { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] كانت الإضافة مطلقاً من باب إضافة المصدر إلى الفاعل وهو الظاهر كما في «البحر » ، وحكى حمل العهد على عهد { أَلَسْتَ } عن قتادة ، وحمله على ما عهد في الكتب عن بعضهم ، ونقل عن السدي حمله على ما عهد إليهم في القرآن ، وعن القفال حمله على ما في جبلتهم وعقولهم من دلائل التوحيد والنبوات إلى غير ذلك واستظهر حمله على العموم { وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق } ما وثقوا من المواثيق بين الله تعالى وبينهم من الإيمان به تعالى والأحكام والنذور وما بينهم وبين العباد كالعقود وما ضاهاها ، وهو تعميم بعد تخصيص وفيه تأكيد للاستمرار المفهوم من صيغة المستقبل .

/ وقال أبو حيان : الظاهر أن هذه الجملة تأكيد للتي قبلها لأن العهد هو الميثاق ويلزم من إيفاء العهد انتفاء نقضه ، وقال ابن عطية : المراد بالجملة الأولى يوفون بجميع عهود الله تعالى وهي أوامره ونواهيه التي وصى الله تعالى بها عبيده ويدهل في ذلك التزام جميع الفروض وتجنب جميع المعاصي ، والمراد بالجملة الثانية أنهم إذا عقدوا في طاعة الله تعالى عهداً لم ينقضوه اه ، وعليه فحديث التعميم بعد التخصيص لا يتأتى كما لا يخفى ، وقد تقدم الله سبحانه إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه بضع وعشرين آية من كتابه كما روى عن قتادة ، ومن أعظم المواثيق على ما قال ابن العربي أن لا يسأل العبد سوى مولاه جل شأنه .

وفي قصة أبي حمزة الخراساني ما يشهد لعظم شأنه فقد عاهد ربه أن لا يسأل أحداً سواه فاتفق أن وقع في بئر فلم يسأل أحداً من الناس المارين عليه إخراجه منها حتى جاء من أخرجه بغير سؤال ولم ير من أخرجه فهتف به هاتف كيف رأيت ثمرة التوكيل ؟ فينبغي الاقتداء به في الوفاء بالعهد على ما قال أيضاً . وقد أنكر ابن الجوزي فعل هذا الرجل وبين خطأه وأن التوكل لا ينافي الاستغاثة في تلك الحال ، وذكر أن سفيان الثوري وغيره قالوا : لو أن إنساناً جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار ، ولا ينكر أن يكون الله تعالى قد لطف بأبي حمزة الجاهل . نعم لا ينبغي الاستغاثة بغير الله تعالى على النحو الذي يفعله الناس اليوم مع أهل القبور الذين يتخيلون فيهم ما يتخيلون فآها ثم آها مما يفعلون .

( هذا ومن باب الإشارة ) : في الآيات : { الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق } [ الرعد : 20 ] قيل : عهد الله تعالى مع المؤمنين القيام له سبحانه بالعبودية في السراء والضراء