البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَٰقَ} (20)

والظاهر عموم العهد .

وقيل : هو خاص ، فقال السدي : ما عهد إليهم في القرآن .

وقال قتادة : في الأزل ، وهو قوله : { ألست بربكم قالوا بلى } وقال القفال : ما في حيلتهم وعقولهم من دلائل التوحيد والنبوات .

وقيل : في الكتب المتقدمة والقرآن .

وقيل : المأخوذ على ألسنة الرسل .

وقيل : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والظاهر إضافة العهد إلى الفاعل أي : بما عهد الله .

والظاهر أن قوله : ولا ينقضون الميثاق ، جملة توكيدية لقوله : يوفون بعهد الله ، لأن العهد هو الميثاق ، ويلزم من إيفاء العهد انتفاء نقيضه .

وقال الزمخشري : وعهد الله ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى .

ولا ينقضون الميثاق ، ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله تعالى ، وغيره من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبين العباد تعميم بعد تخصيص انتهى .

فأضاف العهد إلى المفعول ، وغاير بين الجملتين بكون الثانية تعميماً بعد تخصيص انتهى .

إذ أخذ الميثاق عام بينهم وبين الله وبين العباد .

وقال ابن عطية : بعهد الله اسم الجنس أي : بجميع عهود الله ، وبين أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده .

ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض ، وتجنب جميع المعاصي .

وقوله : ولا ينقضون الميثاق .

أي : إذا اعتقدوا في طاعة الله عهداً لم ينقضوه .

قال قتادة : وتقدم وعيد الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية ، ويحتمل أنه يشير إلى ميثاق معين وهو الذي أخذه تعالى على ظهر أبيهم آدم عليه السلام انتهى .

وقال ابن العربي : من أعظم المواثيق في الذكر أن لا يسأل سواه ، وذكر قصة أبي حمزة الخراساني وقوعه في البئر ، ومرور الناس عليه ، وتغطيتهم البئر وهو لا يسألهم أن يخرجوه ، إلى أن جاء من أخرجه بغير سؤال ، ولم ير من أخرجه ، وهتف به هاتف : كيف رأيت ثمرة التوكل ؟ قال ابن العربي : هذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام ، فاقتدوا به .

وقد أنكر أبو الفرج بن الجوزي فعل أبي حمزة هذا وبين خطأه ، وأن التوكل لا ينافي الاستغاثة في تلك الحال .

وذكر أنّ سفيان الثوري وغيره قالوا : إن إنساناً لو جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار .

ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف بأبي حمزة الجاهل .